
صادرات السيارات المغربية تحتل موقع الريادة فى القارة الأفريقية
نصف واردات المغرب سلع وسيطة تدخل فى إنتاج السيارات
بينما تجاهد مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة صادراتها التى بالكاد حققت زيادة فى السنوات الأخيرة قطعت دول أخرى أشواطاً كبيرة فى حجز مكانة لنفسها فى سلاسل القيمة العالمية وزيادة صادراتها اعتماداً على تطوير صناعات محددة لديها.
من بين تلك الدول تبرز التجربة المغربية؛ حيث اختار البلد الواقع فى أقصى شمال غرب القارة الأفريقية منذ بداية القرن الحالى تطوير اقتصاد بنمط عالمى منفتح ومتكامل الأعمال.
ويعتمد هذا الفكر التطورى على رؤية طويلة المدى تستند إلى موقعه الاستراتيجى الذى يبعد عدة كيلو مترات من أوروبا، وبنيته التحتية الحديثة واستقرارها السياسى وكذلك عقود من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وهكذا، وعلى مر السنين، أصبحت المملكة شريكاً موثوقاً به للمستثمرين الأجانب ومركزاً تنافسياً لسلاسل القيمة الخاصة بالسيارات والطيران.
وارتفع الاسثتمار الأجنبى المباشر فى المغرب خلال أول 7 أشهر من العام إلى 1.6 مليار دولار مقابل 0.9 مليار دولار فى الفترة نفسها من العام الماضى بحسب بيانات مكتب الصرف المغربى.
التجربة المغربية فى جذب الاستثمارات
تعمل الحكومة المغربية بشكل لا مركزى عبر تفعيل دور الوزارات المختلفة فى جذب الاستثمارات، فعلى سبيل المثال وزارة الفلاحة (الزراعة) قادت تدفق الاستثمارات عبر مشروع الاقتصاد الأخضر، وخصصت العام الماضى 450 مليون دولار لدعم تدفق استثمارات القطاع الخاص عبر حوافز يتم صرفها من خلال صندوق التنمية الفلاحية وتعقد ندوات باستمرار وكذلك أطلقت دليل الاستثمار فى القطاع.
وبخلاف تفعيل دور الوزارات أطلق المغرب مؤخراً صندوق محمد السادس للاستثمار برأسمال قد يصل إلى 4 مليارات دولار ثلثه من الدولة والثلثان من كيانات استثمار محلية ودولية.
وبحسب بيان للديوان الملكى سيسهم تفعيل الصندوق فى «إضفاء ديناميكية جديدة على الاستثمار العمومى بتوجيهه لمشاريع البنية التحتية، والاستراتيجيات القطاعية الطموحة، بما يعزز تنافسية المنتج الوطنى، وتقوية السيادة الوطنية على المستوى الغذائى والصحى والطاقى».
من المنتظر أن يموّل الصندوق المشاريع الاستثمارية الكبرى فى إطار شراكات مع القطاع الخاص، كما سيدخل فى رأسمال الشركات الصغرى والمتوسطة، ويمنح القروض للشركات النشيطة فى المجالات التى يعتبرها الصندوق ذات أولوية.
وقال مركز السياسات المغربية إن مشاركة المغرب فى بعض سلاسل القيمة العالمية يعيبها حالياً انخفاض القيمة المضافة، والافتقار إلى الابتكار من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة (منخفضة المخاطرة)، وإتاحة وظائف للشباب بشكل ضعيف (فى ظل حالة الضبابية داخل الاسواق وتراجع توقعات النمو) والاعتماد القوى من قبل الاقتصاد المغربى على الظروف البيئية والسوق الأوروبية. ونتيجة ذلك، فإن المغرب محاصر فى بعض سلاسل القيمة العالمية ذات القيمة المضافة المنخفضة التى بالكاد تسمح له بالاستعانة بمصادر خارجية للابتكار والتفكير فى الثورة الصناعية الرابعة، ما يتيح سلسلة من المجالات الصناعية والرقمية والاجتماعية، والتغيرات البيئية.
ومن ناحية أخرى، بدأ الاقتناع بأن أداء الدولة نحو الاندماج فى سلاسل القيمة العالمية مرتبط بالتأثير الإيجابى والدائم الذى يجب أن ينتج عن تجارة البضائع الوسيطة والتصنيع والتجميع فى المنطقة، حيث تعمل الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات التابعة لها. بالإضافة إلى حتمية التكامل والاستدامة والابتكار كمسارات للتكيف وتحويل الاقتصادات الوطنية نحو النمو.
ووفقاً لصندوق النقد الدولى فإن المملكة المغربية هى خامس أكبر اقتصاد فى أفريقيا.
واستقر متوسط معدل نمو إجمالى الناتج المحلى المغربى بمتوسط معدل النمو السنوى 4.5% على مدى عقدين ليصل إلى 122 مليار دولار فى عام 2019.
ورغم كون المغرب دولة ذات قوة زراعية ولاعباً رئيسياً فى سوق الفوسفات العالمى، فإنَّ قطاعى السيارات والطاقة أصبحا من المحركات الجديدة للمملكة نحو النمو الاقتصادى.
وتعد التنمية المغربية وفقاً لنموذج التكامل فى الاقتصاد العالمى هى نتيجة رؤية ملكية، على أساس بنية تحتية حديثة تضم القطار فائق السرعة وميناء طنجة، إضافة إلى تنافسية النظم البيئية الصناعية التى تقودها الحكومة، من خلال اعتمادها على الشركات متعددة الجنسيات وعقود برنامج الخطط القطاعية مثل «المغرب الأخضر» وخطة «التسريع الصناعى».
وتشير الأزمة الصحية الناجمة عن تفشى فيروس كورونا لبداية حقبة جديدة، لتسلط الضوء على قضايا المرونة الاقتصادية والاعتماد التجارى بحيث يتم وضع استعادة السيادة الوطنية إلى الأمام. وتظهر بيانات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بشأن التجارة فى القيمة المضافة، أن المغرب يحرز تقدماً فى عملية الاندماج فى سلاسل القيمة العالمية؛ حيث يسهم قطاع التجارة فى القيمة المضافة بنسبة 7.8% بين عامى 1995 و2018 لتصل إلى مليار دولار فى عام 2008.
وجاء نمو إجمالى الناتج المحلى فى المغرب مدفوعاً إلى حد كبير بتسريع قطاع الخدمات والتجارة العالمية فى مجال السيارات والطيران.
ووفقاً لقاعدة بيانات القيمة المضافة المحلية والاجنبية، ارتفع المستوى العام للتكامل فى المغرب عن إسبانيا وتركيا، فى حين تأتى كل من فيتنام وماليزيا وكوريا الجنوبية فى وضع أفضل على سلاسل القيمة العالمية.
ووفقاً لتقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى عام 2021، فإنَّ نحو 27،5% من القيمة المضافة للإنتاج فى المغرب تعتمد على الطلب الأجنبى، على سبيل المثال، بعض سلاسل القيمة فى قطاع السيارات والمنسوجات، حيث يرتفع حجم الصادرات بها ما يتجاوز 80% من القيمة المضافة الخاصة بالإنتاج فى هذه القطاعات.وتصاعدت القيمة الأجنبية للصادرات المغربية تدريجياً منذ عام 2000 لتصل إلى 13.4 مليار دولار أمريكى فى عام 2018. و44% من الواردات هى المنتجات الوسيطة المستخدمة فى الصادرات مع حصص أعلى بكثير فى قطاع المنسوجات وأجزاء السيارات.
ورغم أن فرنسا وإسبانيا هما الشركاء التجاريون الرئيسيون للملكة، لكن الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة تخلق المزيد القيمة المضافة، كما يبدو أن ألمانيا والصين مصادر الواردات الأكثر إثارة للاهتمام فيما يتعلق بسلاسل القيمة المضافة.
ورغم النمو المطرد لقطاع الخدمات نظراً لكثرة المشاريع فى الدولة والتى تشهد ظهوراً كل يوم، ظلت حصة الخدمات فى القيمة المضافة من السلع المصنعة المصدرة أقل من المتوسط الذى حددته منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
ويفتح ذلك المجال لمزيد من الفرص الاقتصادية المهمة والتى تتيح المكاسب التنافسية بين الموردين والمصدرين المحليين.
ولتطوير أنشطة ذات قيمة مضافة عالية من سلاسل القيمة، ينبغى للمغرب السعى لمزيد من تعزيز الابتكار والتكنولوجيا. وهذا سيسمح لها أيضاً بأن تكون أقل عرضة لصدمات العرض من البلدان المتمركزة بشكل أكبر فى سلاسل القيمة العالمية.
ولا تعد مهمة البحث والتطوير أمراً سهلاً، كما أن تحليل الواردات واحتياجات الصناعة المغربية لا يزال يظهر فجوة كبيرة بين القيمة المضافة الأجنبية والمحلية.
وهكذا، تواصل المملكة استيراد العديد من المدخلات الصناعية ومنتجات المستخدم النهائى.
ويؤكد ذلك المعدل المتزايد من سلاسل القيمة المضافة الأجنبية المدمجة فى الصادرات المغربية والتى وصلت إلى 25.7% عام 2015 مقابل 22% عام 2005.
وبحسب عدة تقارير من قبل كل من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى كان المغرب قادراً على التكيف مع الصدمات المختلفة وباستجابة ملحوظة.
كما يشهد للاقتصاد المغربى بمرونته بعد الأزمة المالية لعام 2008 وتعاقب سنوات الجفاف.
تطويع قطاع تصنيع السيارات لمستويات خالية من الانبعاثات الكربونية
تعمل سلاسل القيمة المضافة لقطاع السيارات المغربى بشكل منظم للغاية وتخضع لمؤسسات تنظيمية متعددة الجنسيات.
وشكلت شركة ستيلانتس، المالكة لعلامات بيجو وستروين وفيات وكرايسلر، قوة وتحالفاً أكثر تكاملاً، ففى الغالب ما تعمل الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة فى المستوى 3 والمستوى 4 كمقاولين من الباطن.
كما أن الشركة المصنعة للسيارات ومقرها المغرب تستمر فى النمو بوتيرة أسرع من جميع قطاعات الانتاج الأخرى لتتجاوز القيمة المضافة للفوسفات، بطاقة إنتاجية تتجاوز 700 ألف سيارة سنوياً، وقيمة مضافة للصادرات تبلغ 8 مليارات دولار.
وأصبحت صادرات السيارات المغربية الرائدة فى المملكة، حيث يعتبر المغرب المنتج الاكبر للسيارات فى القارة الأفريقية، وثانى أكبر المصدرين للاتحاد الأوروبى.
وبفضل تحديث البنية التحتية نجحت المملكة ووضعت نفسها لتصبح محور قيمة فى تصنيع السيارات العالمية بسلسلة تربط أفريقيا بالقارة الأوروبية.
وتعتمد هذه السيارات التابعة لشركة «رينو» و«بى إس أيه» على ما يتجاوز 200 من الموردين الدوليين والمحليين، بما فى ذلك الشركات الكبرى الواقعة فى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا واليابان والولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، سجلت شركة «لير» الأمريكية، المرتبة 179 فى قائمة «فورشن 500» السنوية لكبرى الشركات، والتى لديها 11 موقعاً للإنتاج فى المغرب لتصنيع مقاعد السيارات والأنظمة الكهربائية، ومن ناحية أخرى، تسعى الصين للاستفادة من تواجد مصنع «بيجو» فى القنيطرة الشمالية من أجل الاندماج فى هذه القيمة.
ويعد الخط المغربى السريع للسكك الحديدية «البراق» هو العمود الفقرى لهذه لدخول قطاع السيارات فى سلاسل القيمة العالمية، حيث تم افتتاح الجزء الأول فى 2018، الذى يربط طنجة بخط البراق المتصل بالدار البيضاء إلى ميناء طنجة المتوسط الجديد فائق الحداثة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، 40 كم شرق طنجة و14 كم عن إسبانيا بحراً، وتم الانتهاء من المرحلة الثانية من تطوير هذا الميناء فى يونيو 2019، وأصبحت طنجة أكبر ميناء فى البحر المتوسط بقدرة تداول 9 ملايين حاوية، متجاوزة الموانئ الإسبانية فى الجزيرة الخضراء وفالنسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة «رينو» أنشأت ثانى مصنع فى طنجة للاستفادة من امتداد طنجة المتوسط.
ويمكننا القول إن صناعة السيارات فى المغرب تطورت بشكل خاص منذ عام 2011 مع إنشاء رينو فى (طنجة) ومجموعة «ستيلانتس» فى (القنيطرة) ومصانع بناء المحرك «جرينفيلد» ومصنع التجميع فى (القنيطرة)، وإنشاء مركز البحث والتطوير بالدار البيضاء، وتوقيع مذكرة تفاهم مع «ستيلانتس» لصناعة السيارات الكهربائية.
نتيجة ذلك، ارتفع الإنتاج من 90 ألفاً إلى 410 آلاف سيارة بين عامى 2012 و2019، ومن المتوقع أن يصل إلى 700 ألف سيارة فى عام 2023.
أزمة توريد أشباه الموصلات تقود المغرب للريادة
ويعانى مصنعو السيارات حالياً من أزمة توريد أشباه الموصلات المستخدمة فى تصنيع السيارات. فقد تم إغلاق بعض خطوط التوريد لكل من «جنرال موتورز» و«فورد موتور» بشكل مؤقت فى عام 2020.
ويعتبر ذلك واحداً من نقاط ضعف سلاسل القيمة العالمية المرتبطة بالاعتماد بين مصنعى السيارات ومعدات المستوى 1 و2 للشركات المصنعة.
وسلط هذا النقص فى العرض العالمى الضوء على الاعتماد الخطير على مصنعى أشباه الموصلات فى آسيا، ما دفع شركات صناعة السيارات الأمريكية والأوروبية تعزيز جهودها لإيجاد بديل لمصادر التوريد والاقتراب من الأسواق الأوروبية.
الشراكة المغربية مع «تسلا»
يبدو أن هذه الشراكة هى طليعة لإنتاج موجة من السيارات الكهربائية فى المغرب، والتى مهدت الطريق لتصنيع المركبات الكهربائية فى المغرب.
وتأتى شركة «رينو» والتى وقعت اتفاقية تعاون استراتيجى مع الشركة العالمية لأشباه الموصلات «إس تى إم» لتزويدها بأشباه الموصلات المتطورة للسيارات الكهربائية والهجينة التى سيتم إنتاجها بواسطة الشركة.
مع خط إنتاج رقائق السيارات المخصص للسيارات الكهربائية، وضع المغرب نفسه ليصبح مركز الإنتاج السيارات الكهربائية؛ حيث أصبح جزءاً استراتيجياً من مرونة سلسلة توريد أشباه الموصلات الغربية.
وفى 2021، أطلقت «رينو» سيارتها «داسيا سبرينج» فى أوروبا، وتم تسويقها كأرخص سيارة كهربائية، حيث تصنع «رينو» السيارة فى الصين، فى حين يتم تصنيع الرقائق فى المغرب.
وهذا يشير إلى أن «داسيا سبرينج» أو طرازات كهربائية لاحقة يمكن تصنيعها فى مصانع «رينو» فى المغرب.
كما بدأت شركة «ستيلانتس» بتصنيع سيارة «بيجو e-208» الجديدة فى مصنعها فى ترنافا (سلوفاكيا).
ويقوم مصنع القنيطرة المغربى بالفعل بتصنيع إصدار «أى سى إى» من طراز «بيجو 208» هاتشباك 5 أبواب.
وتستخدم سيارة «e-208» نفس الهيكل مثل «بيجو 208» التى تعتمد على البنزين.
كل هذه الشراكات جعلت من المغرب محوراً مهماً فى سلاسل التوريد العالمية ما أثر بشكل كبير على اقتصاد هذه الدولة الذى يسير نحو النمو بخطى ثابتة وقوية.