لا شك أن الطاقة عنصر أساسى فى حرب روسيا على أوكرانيا، فلا يمكن لموسكو الاستمرار فى تمويل غزوها بدون عائدات البترول والغاز، التى شكلت نحو نصف ميزانيتها الفيدرالية العام الماضى.
وتعد الطاقة سلاح فى قتال روسيا أيضاً، فموسكو تدمر بشكل منهجى شبكة الطاقة الأوكرانية وتقلص الإمدادات الأوروبية سعياً وراء تخفيف العقوبات.
ولكن فى ظل هذه الخلفية، يبدو أن اليابان مستعدة لإعادة الالتزام بمشروع بترولى رئيسى فى الشرق الأقصى الروسى رغم دعمها الرسمى لأوكرانيا، لكن ضرورى أن تتوقف طوكيو مؤقتاً للنظر بعناية فى تداعيات قرارها.
وتتمثل إحدى الوسائل الرئيسية لهزيمة العدوان الروسى فى حرمان الكرملين من كل دولار ممكن من الدخل من البترول والغاز، ويجب أن يعمل معارضو الحرب على تحرير أنفسهم من واردات الطاقة الروسية فى أسرع وقت ممكن، حسبما ذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
ومع ذلك، تخلفت اليابان عن بقية دول مجموعة السبع فيما يتعلق بتقليص علاقات الطاقة الروسية، وكان هذا واضحاً بالفعل فى قرار طوكيو فى أغسطس بإعادة الالتزام بمشروع الغاز الطبيعى المسال “سخالين 2” فى جزيرة الشرق الأقصى الروسية، كما احتفظ رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بمنصب وزير التعاون الاقتصادى مع روسيا داخل حكومته.
ومن المقرر أن تصبح سياسة طوكيو المضللة أسوأ بشكل ملحوظ لأنها تشجع الآن تحالف يابانى على الاحتفاظ بحصته فى مشروع البترول “سخالين 1” فى نفس الجزيرة.
وقبل ثلاثة أسابيع، وقع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مرسوماً بنقل ملكية الأجانب فى “سخالين 1” إلى شركة تشغيل جديدة تديرها شركة “روسنفت” الحكومية، بالتالى أصبح أمام المساهمين الأجانب شهرا واحدا لتقديم طلب للحصول على إذن للاحتفاظ باستثماراتهم عبر الكيان الجديد.
وانتقدت شركة “إكسون موبيل”، التى تمتلك 30% من “سخالين 1” وكانت فى السابق مشغل المشروع، خطوة روسيا باعتبارها مصادرة للملكية وانسحبت بالكامل من المشاركة.
ومن المفهوم أسباب دراسة الشركة الأمريكية، التى سجلت خسارة ما قبل الضريبة بقيمة 4.6 مليار دولار على حصتها فى “سخالين 1” وأصول ثانوية أخرى فى روسيا فى أبريل، لفكرة اتخاذ إجراء قانونى ضد موسكو.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن طوكيو مستعدة لتشجيع شركة سخالين لتنمية البترول والغاز “سوديكو”، وهو تحالف يابانى بين القطاعين العام والخاص، فهى ستقدم التماس للحكومة الروسية للاحتفاظ بحصتها البالغة 30% فى الشركة العاملة الجديدة.
ولم يتم الإعلان عن قرار نهائى، لكن تم تقديم تلميح واضح فى 11 أكتوبر عندما قال ياسوتوشى نيشيمورا، وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانى، إن “سخالين 1” ما يزال مشروعاً مهماً بالنسبة لليابان فيما يتعلق بأمن الطاقة.
وعندما اتجهت الحكومة سابقاً إلى شركة “ميتسوى آند كو” و”ميتسوبيشى” للاحتفاظ بحصصهما فى مشروع غاز “سخالين 2″، كان هناك على الأقل إدعاء بأن اليابان بحاجة إلى الطاقة، لأنه فى عام 2021، استوردت اليابان 9% من الغاز الطبيعى المسال من روسيا.
وجادلت طوكيو أيضاً بأن الابتعاد عن العقود طويلة الأجل التى تحبس الإمدادات من “سخالين 2” بأسعار منخفضة سيسمح ببساطة لروسيا بإعادة بيع الغاز للمزيد، بالتالى مواجهة تأثير العقوبات.
ومثل هذه الإدعاءات لا تنطبق على “سخالين 1″، ففى عام 2021، جاء 3.6% فقط من واردات اليابان من البترول من روسيا.
وعلاوة على ذلك، تستطيع اليابان بالفعل، بدون أى بترول روسى ومع عدم وصول أى واردات فى سبتمبر، إدارة عملية الوفاء بالتزام تعهدت به فى مايو للانضمام إلى أعضاء مجموعة السبع، وهذا الالتزام هو التخلص التدريجى من البترول الروسى.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل “سخالين 1” الآن بأقل بكثير من طاقته، فقد بلغ الإنتاج 10 آلاف برميل يومياً فقط فى يوليو، على عكس 220 ألف برميل يومياً قبل الحرب.
ومن خلال استمرارها فى المشاركة فى خط “سخالين 1″، لن تحافظ اليابان ببساطة على الوضع الراهن، بل إنها ستساعد روسيا على إحياء مشروع بترولى كبير وبالتالى ضخ مليارات الدولارات الإضافية فى صندوق حرب الكرملين، كما أنها ستصادق على مصادرة موسكو للأصول الأجنبية، بما فى ذلك بعض الأصول التابعة للحكومة اليابانية نفسها.
ويعكس هوس طوكيو بالتمسك بحصتها فى “سخالين 1” تركيزها على تنويع مصادر الوقود.
وتعليقاً على الأمر، قال كبير أمناء مجلس الوزراء هيروكازو ماتسونو، فى 11 أكتوبر: “بالنسبة لليابان، التى تعتمد على الشرق الأوسط فى حوالى 90% من وارداتها من البترول الخام، فهى مصدر مهم للإمداد من خارج الشرق الأوسط”.
مثل هذا التفكير جيد فى الأوقات العادية، ومع ذلك، عندما تمزق روسيا الحدود الدولية وتهدد بضربات نووية وتغرق ملايين المدنيين الأوكرانيين فى ظلام جليدى عبر وقف أكثر من ثلث شبكة الكهرباء فى البلاد على أمل تجميد سكانها وإجبارهم على الخضوع، فإن الأولوية الأكبر يجب أن تكون لوقف عدوان موسكو وليس هدف اليابان طويل المدى المتمثل فى تحقيق التنوع فى إمدادات الطاقة.