فى عام 2015، بعد العديد من الإنذارات الكاذبة بأن الأسعار سترتفع بحدة، قال وزير الخزانة الأمريكى السابق لورانس سمرز، إن الاحتياطى الفيدرالى يجب ألا يرفع أسعار الفائدة حتى يرى “بياض عيون التضخم”.
والآن، مع اقتراب التضخم من أعلى مستوياته فى 40 عامًا فى جميع أنحاء العالم المتقدم، يشعر محافظو البنوك المركزية بالقلق بدلاً من ذلك بشأن تخفيف تشديد السياسة النقدية قبل أن يكون هناك دليل قوى على أن ضغوط الأسعار آخذة فى التضاؤل، وهم محقون فى أن يكونوا حذرين من أن يصبح التضخم المرتفع راسخاً، لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة، فإنهم يواجهون صعوبة متزايدة فى الموازنة مع تصاعد مخاطر الانكماش الاقتصادى الأعمق والاضطرابات فى الأسواق المالية.
ورغم قيام البنوك المركزية بزيادة أسعار الفائدة العام الجارى بتزامن لم نشهده فى العقود الخمسة الماضية، ظل التضخم فى الاقتصادات المتقدمة مرتفعا بقوة، وأدت السياسة المالية المتساهلة، خارج الولايات المتحدة، إلى زيادة ضغوط الأسعار الحالية، بما فى ذلك من نقص العمالة، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وخنق سلاسل التوريد.
ومع ارتفاع معدل التضخم إلى خمسة أضعاف المعدلات المستهدفة، ستحتاج البنوك المركزية إلى زيادة تكلفة الائتمان أكثر من المستوى الراهن، وكلما طالت مدة ارتفاع معدلات التضخم، زادت احتمالية أن تصبح الأسعار المرتفعة مرتبطة بالتوقعات، ما يؤدى إلى زيادة الأجور والأسعار.
وفى الواقع، لا تزال بعض مقاييس توقعات التضخم لدى الأسر والشركات على المدى المتوسط فى المملكة المتحدة ومنطقة اليورو والولايات المتحدة أعلى من هدف 2%، ويدرك محافظو البنوك المركزية أيضًا أن محاولة الخروج من نظام التضخم المرتفع، بمجرد ترسخه، سيتطلب تشديدًا أكثر عدوانية وتكلفة، وبينما خفت ضغوط أسعار الطاقة وسلسلة التوريد مؤخراً، لا تزال مخاطر الارتفاع قائمة.
ومع ذلك، نظراً لأن السياسة النقدية أصبحت أكثر تشددا، فقد تزايدت الدعوات للبنوك المركزية للتخفيف وسط مخاطر الركود المتزايدة، تعمل المعدلات المرتفعة بالفعل على كبح الطلب: فقد تم تشديد شروط اقتراض الشركات، وتزايدت تكاليف سداد الرهن العقارى، وهناك دلائل تظهر على أن أسواق العمل آخذة فى التراجع، وهناك خطر أن تبالغ البنوك المركزية فى التشديد ما يحول التباطؤ إلى انهيار، قد يعنى ذلك موجة من حالات إفلاس الشركات، وانخفاض حاد فى أسعار المساكن، وارتفاع فى معدلات البطالة.
وبعد عقد من أسعار الفائدة المنخفضة والسيولة الوفيرة، هناك أيضًا علامات تحذيرية على أن الارتفاع السريع فى الأسعار، والتقلص المخطط لميزانيات البنوك المركزية المتضخمة – قد يزعزع الاستقرار المالى.
وأظهرت الاضطرابات الأخيرة فى صناديق التقاعد فى المملكة المتحدة مدى تقلب الأسواق، فى غضون ذلك كانت الضغوط تتصاعد فى سوق الخزانة الأمريكية، وفى منطقة اليورو، يضيف ارتفاع أسعار الفائدة ضغوطًا على هوامش السندات السيادية فى الدول الطرفية.
وتحديد السياسة النقدية بعيد كل البعد عن كونه علمًا دقيقًا، لكن فى الوقت الحالى يتم تضخيم مخاطر كل من التشديد المفرط والقليل، خاصة وأن عدم اليقين الاقتصادى مرتفع أيضًا.
ويحتاج محافظو البنوك المركزية إلى الحكم على مدى سرعة انتقال معدلات الفائدة المرتفعة إلى الاقتصاد الحقيقى والتأثيرات غير المباشرة لإجراءات البنك المركزى فى أماكن أخرى، وتعد سياسة القياس أكثر صعوبة حيث تحاول الحكومات حماية الاقتصادات من ارتفاع تكاليف الطاقة فى وقت تتصاعد به التوترات الجيوسياسية.
وتحتاج البنوك المركزية إلى الاستمرار فى التركيز على خفض التضخم، لكن سيتعين عليها أن تخطوا بمزيد من الحذر، وتراقب بصرامة مخاطر تختمر فى الأسواق المالية والاقتصادية، وقبل كل شئ، يجب أن تكون حذرة من أنه من خلال محاولة التخفيف من مخاطر التضخم المرتفع الذى يصبح وبائياً، لا تطلق عن غير قصد مجموعة جديدة كاملة من التهديدات.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز”