أصيب المستثمرون بالذهول بمجرد سماع أنباء سارة تتمثل في ارتفاع الأسهم الأوروبية منذ أوائل أكتوبر، مع إعلان المتفائلين نهاية لأزمة الطاقة في القارة، تلوح في الأفق.
قفزت الأسهم الصينية بعد الحديث الأخير عن أن الرئيس الصيني شي جين بينج سيتخلى عن سياسة “صفر كوفيد”، حيث خفف المنظمون القيود المفروضة على قطاع العقارات.
وفي 10 نوفمبر، في أعقاب الأخبار التي تفيد بأن تضخم أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة جاء أقل بقليل من توقعات الاقتصاديين، ارتفع مؤشر ناسداك التكنولوجي بنسبة 7%، وهي واحدة من أكبر التحركات اليومية على الإطلاق، حيث سعى المستثمرون لأسعار الفائدة المنخفضة.
لكن يمكن أن نتراجع خطوة للوراء، ففي الواقع أصبحت التوقعات قاتمة في الأسابيع الأخيرة، إذ يتباطأ الاقتصاد العالمي، وربما يكون دخل في حالة ركود، وسط رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لمحاربة ارتفاع الأسعار مرة واحدة في الجيل.
وحتى مع تسجيل بيانات أفضل من المتوقع في الولايات المتحدة، ليس هناك علامات تُذكر على على اقتراب هزيمة التضخم، بل إنه في الواقع يتسع في كثير من أنحاء العالم.
بالنسبة لمعظم أوقات العام الجاري، كان الناس يشعرون بالقلق من حدوث ركود اقتصادي، فقد اقتربت عمليات البحث على موقع “جوجل” عن كلمة “الركود” من مستوى قياسي في يونيو.
ولفترة طويلة، ظل الخطاب الكئيب يسبق الواقع، حيث زاد الإنتاج في الدولة الغنية المتوسطة بنحو 1.3% من نهاية عام 2021 إلى الربع الثالث من العام الحالي، وهذا ليس بالأمر الرائع لكنه ليس سيئاً.في العام المنتهي في سبتمبر، انخفض متوسط معدل البطالة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 1%، كما بلغت البطالة في منطقة اليورو أدنى مستوى لها على الإطلاق.
ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن تكاليف الاقتراض المرتفعة بدأت في الظهور.
في العديد من الدول، مثل كندا ونيوزيلندا، تنخفض أسعار المساكن حيث يواجه مشترو المنازل قروضا عقارية باهظة الثمن، ويقوم بناة المساكن بإلغاء المشاريع ويشعر أصحاب المنازل بأنهم أقل ثراءً، كما تعمل شركات أخرى على كبح جماح الإنفاق.
لاحظ باحثو بنك إنجلترا في تقريرهم الأخير عن السياسة النقدية أن التمويل الأكثر تكلفة “يؤثر على نوايا الاستثمار”.
ويلاحظ محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأخير أن استثمار الشركات الثابت “بدأ بالفعل في الاستجابة لتشديد الأوضاع المالية”.
بدأت الظروف الاقتصادية المتدهورة بالظهور في البيانات “في الوقت الحقيقي”.
ينشر بنك “جولدمان ساكس” “مؤشر النشاط الحالي”، وهو مقياس شهري للقوة الاقتصادية، حيث بدا أن اقتصادات العالم الغني تتقلص الشهر الماضي، وهذا لأول مرة منذ عمليات الإغلاق الأولية الي فرضت للسيطرة على تفشي فيروس كورونا في عام 2020.
وبالمثل، تشير دراسة استقصائية عالمية لمديري المشتريات إلى حدوث انكماش لأول مرة منذ يونيو 2020.
ومنذ يوليو، انخفض “التنبؤ الآني” لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي الذي أنتجه بنك “جي.بي مورجان تشيس” بمقدار النصف.
يشير المتفائلون إلى أسواق عمل قوية، فقد تباطأت آلة الوظائف الهائلة في أمريكا، لكنها ما زالت تصدر صوت طنين، حيث تمت إضافة أكثر من 250 ألف وظيفة في أكتوبر.
ومع ذلك، تظهر علامات الضعف في أماكن أخرى، فقد اقترحت الخبيرة الاقتصادية كلوديا سهام أن الركود يقترب عندما يرتفع متوسط معدل البطالة خلال الأشهر الثلاثة الماضية بنسبة 0.5% على الأقل بالنسبة إلى أدنى مستوياته خلال العام السابق.
نجد أن ثمانية من أصل 31 دولة غنية تستوفي هذا المعيار حالياً، مثل الدنمارك وهولندا، لكن هذه النسب ليست مرتفعة مقارنة، على سبيل المثال، ببداية الأزمة المالية العالمية، لكنها تشير إلى حدوث تباطؤ حاد الآن.
هناك قاعدة تشير إلى حقيقة مهمة أخرى وهي أن الدول المختلفة تتحرك بسرعات مختلفة جداً، فبصرف النظر عن الولايات المتحدة، ما يزال عدد من الأماكن، مثل أستراليا وإسبانيا، ينمو بمعدل لائق.
ومع ذلك، فإن البعض الآخر في ورطة، فعلى سبيل المثال السويد، حيث أسعار الفائدة المرتفعة تضر بسوق الإسكان المزبد بشكل خاص، تفقد قوتها بسرعة.
ويكاد يكون من المؤكد أن بريطانيا الآن في حالة ركود، كما أدت أسعار الطاقة المرتفعة للغاية في ألمانيا إلى إغلاق صناعي، وقد يكون أدائها أسوأ من كافة الدول الغنية الأخرى.
جدير بالذكر أن الأسر في الدول الغنية ما زالت تعيش على تريليونات الدولارات من “المدخرات الزائدة”، التي جمعتها في عام 2020-2021 من شيكات التحفيز والدعم المالي الآخر، وهذه الأموال ستسمح لهم بمواصلة الإنفاق، حتى في مواجهة انخفاض الدخل الحقيقي.
وجد بحث جديد أجراه بنك “جولدمان ساكس” أن الفوائض الكبيرة من الادخار في القطاع الخاص مرتبطة بفترات ركود أقل حدة.
كذلك، تشير صناديق الادخار الصحية إلى أن الألم الاقتصادي من غير المرجح أن يترجم إلى ضائقة مالية، كما أن معدلات التأخر في سداد القروض العقارية آخذة في الانخفاض بالفعل في الولايات المتحدة، وهي منخفضة للغاية في نيوزيلندا وكندا.