الخريف المعتدل وانخفاض أسعار الطاقة يحسنان التوقعات على المدى القريب.. لكن الشتاء المقبل يبدو قاتماً
يتراجع احتمال سقوط منطقة اليورو في ركود عميق هذا الشتاء، وفقاً لخبراء الاقتصاد الذين خفضوا توقعاتهم في ظل تقديم الحكومات لدعم مالي أكبر وفي ظل انخفاض أسعار الغاز والخريف المعتدل، الأمر الذي يساعد على تحسين توقعات الكتلة.
ما يزال معظم المتنبئين يتوقعون تراجع إنتاج منطقة اليورو في الأرباع السنوية القادمة، فقد توقعت المفوضية الأوروبية في بداية نوفمبر الجاري انكماش اقتصاد المنطقة بنسبة 0.5% في الربع الرابع وبنسبة 0.1% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل، بما يتماشى مع تقديرات محللي القطاع الخاص، لكن الانكماش سيكون أكثر اعتدالاً مما كان يُخشى سابقاً.
يتوقع الاقتصاديون نمو منطقة اليورو بنسبة 3.2% خلال عام 2022 ككل، ارتفاعاً من توقع سابق عند 2.7% في يوليو، وفق أحدث مجموعة من التوقعات الصادرة عن “كونسينس إيكونوميكس” التي تعكس أيضاً مرونة الكتلة بشكل أفضل من المتوقع في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر.
قالت سوزانا ستريتر، مديرة الأصول لدى “هارجريفيس لانسداون”، إنه “من غير المرجح أن يكون الركود في منطقة اليورو عميقاً كما كان يُخشى، خاصة أن الكتلة مستعدة لتجنب أزمة طاقة كاملة هذا الشتاء”.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن إغلاق موسكو لخط أنابيب الغاز الرئيسي “نورد ستريم 1” خلال الصيف أثار مخاوف من أن المنطقة ستعاني لاستبدال مصادر الطاقة الروسية، فضلاً عن أن هذا الأمر أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز، لكن أحد أكثر شهور أكتوبر اعتدالًا على الإطلاق كان يعني أن المنازل والمصانع تستخدم طاقة أقل، ما يساعد على إبقاء مرافق تخزين الغاز قريبة من طاقتها الكاملة.
في الأسبوع الأول من نوفمبر، انخفض استهلاك الغاز في أكبر ثلاثة اقتصادات في منطقة اليورو، وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بنسبة 30% عن متوسط 2017-2021.
توقع هولجر شميدنج، كبير الاقتصاديين في بنك “بيرنبرج”، في سبتمبر، انكماشاً بنسبة 2.1% في الأرباع السنوية الثلاثة حتى منتصف عام 2023 على أساس سعر الغاز البالغ 220 يورو لكل ميجاوات في الساعة لهذا الشتاء والمخاوف من انقطاع الطاقة.
ولكن منذ ذلك الحين، انخفض سعر الجملة للغاز الأوروبي إلى أقل من 110 يورو لكل ميجاوات في الساعة، وقام شميدنج بتعديل توقعاته لمقياس الانخفاض إلى 1.6%.
جدير بالذكر أن النجاح في تعبئة منشآت تخزين الغاز إلى طاقتها الكاملة أدى أيضاً إلى تخفيف المخاوف من إمكانية مواجهة الصناعة لفترات ينقطع فيها التيار الكهربائي.
وقال شميدنج إن ميزان المخاطر لتوقعاته “يميل الآن إلى الاتجاه الصعودي بدلاً من الاتجاه الهبوطي”.
قام بنك “جولدمان ساكس” أيضاً بتغيير توقعاته خلال الأسبوع الجاري لنفس الفترة الزمنية، متوقعاً انكماشاً نسبته 0.7%، انخفاضاً من توقع سابق بانخفاض قدره 1% في الإنتاج.
قال سفين جاري ستين، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك “جولدمان ساكس”، إن انخفاض أسعار الغاز وانخفاض مخاطر تقنين الطاقة والدعم المالي الإضافي من الحكومات يشير إلى “ركود ضحل”.
يُذكر أن إنتاج منطقة اليورو توسع بنسبة 0.7% في الربع الثاني من عام 2022 و 0.2% في الربع الثالث من العام ذاته.
قالت سيلفيا أرداجنا، كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في بنك “باركليز”، إن المرونة حتى الآن تعني أنه سيكون هناك المزيد من “التغيير” في النشاط الاقتصادي هذا الشتاء، متوقعة انخفاضاً بنسبة 1.3% من الذروة إلى القاع في الناتج المحلي الإجمالي بين الربع الحالي والربع الثالث من عام 2023، ارتفاعاً من تقديرات سابقة قدرها 1.7%.
في الوقت نفسه، قال أندرو كينينغهام، الخبير الاقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس”، إن “تخزين الغاز مرتفع بما يكفي بحيث لا يوجد الآن خطر ضئيل في التقنين المباشر هذا الشتاء”، مضيفاً أن الانتعاش في قطاع السيارات كان أقوى مما كان متوقعاً.
كذلك، رفعت ميلاني ديبونو، الاقتصادية في “بانثيون ماكرو إيكونوميكس”، توقعاتها إلى “ركود أقل حدة” جزئياً بسبب طقس شتوي أكثر اعتدالاً.
مع ذلك، أصبح الاقتصاديين متشائمين بشكل متزايد بشأن توقعات الشتاء المقبل ويعتقدون الآن أن إنتاج منطقة اليورو سينكمش بنسبة 0.1% في عام 2023، وهو خفض حاد عن التوسع المتوقع بنسبة 2.3% في مارس، بعد وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا.
ويشعر الاقتصاديون بالقلق من أنه مع بقاء إمدادات الغاز الروسية محدودة، سيصعب إعادة تعبئة الخزانات في أوروبا في الشتاء المقبل.
جدير بالذكر أيضاً أن بنك “جولدمان ساكس” خفض توقعاته للعام المقبل بشكل عام، بجانب توقعات أوائل عام 2024.