تخاطر الحكومات الأوروبية المنهكة من الأزمات، والتي تنفق مبالغ طائلة لتهدئة أزمة الطاقة في اقتصاداتها، بالتسبب في ضرر طويل الأمد من خلال توزيع الدعم المالي للشركات والأسر على نطاق واسع.
مع ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية واندفاع البنوك المركزية لرفع تكاليف الاقتراض لكبح الأسعار، يحذر صُناع السياسة وخبراء الاقتصاد من حدوث صدام بنتائج عكسية إذا لم تتبع الدول قاعدة تدل على ثلاث نقاط، وهي مؤقتة ومستهدفة وفي الوقت المناسب.
من خلال الفشل في تقديم تدابير مثل تخفيف فاتورة الطاقة على الشركات والأسر الأكثر ضعفاً، ربما تعزز الحكومات عن غير قصد قضية رفع أسعار الفائدة، بينما تعيق الميزانيات المستقبلية بأعباء أكبر لخدمة الديون.
يمكن اعتبار حكومة المملكة المتحدة قصيرة الأجل بقيادة ليز تروس بمثابة تحذير من فوضى السوق التي يمكن أن تنجم عن فقدان الثقة، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
قال جريجوري كلايس، الزميل البارز في مركز الأبحاث “بروجيل”: “من السهل اتخاذ إجراءات تؤثر على الجميع، فهي ليس تميز ضد أي شخص، لذلك لن يكون لديك تمرد من الطبقات الوسطى”، مضيفاً أنه “إذا ساعدت الجميع فأنت لا تساعد الفقراء بالقدر الكافي، وهي الطبقة التي تعاني أكثر”.
تعهدت حكومات الاتحاد الأوروبي بتقديم أكثر من 550 مليار يورو “أي ما يعادل 571 مليار دولار” لحماية اقتصاداتها من فواتير الطاقة التي ارتفعت خلال الحرب الروسية في أوكرانيا، وهذا الرقم يرتفع إلى 710 مليارات يورو عند تضمين دعم المرافق.
يذكر أن أعضاء منطقة اليورو أنفقوا بالفعل حوالي 1.25% من الناتج الاقتصادي، أو حوالي 200 مليار يورو.
وتقول مفوضية الاتحاد الأوروبي إن حوالي 70% من الإجراءات غير مستهدفة، لكن تستفيد منها جميع أو نسبة كبيرة جداً من السكان.
في حين أن دول الاتحاد الأوروبي لا تعد بمثل هذه التخفيضات الضريبية الشاملة كما فعل تروس، فقد ثبت أنه من الصعب سياسياً التمسك بالنقاط الثلاثة، بالتالي يجب على الساسة اختيار وقت إزالة ضمادة الدعم وسقوف الأسعار، كما أن إجراءات الاستهداف تعني انتقاء المستفيد والمخاطرة بالانقسامات الاجتماعية.
ربما يؤدي تقديم المساعدة إلى ما بعد فصل الشتاء إلى الإخلال بالمفاضلة بين الجهود المبذولة لتهدئة أسعار المستهلكين ودعم الأسر الضعيفة والقدرة التنافسية الدولية للكتلة الأوروبية.
بالنسبة للشركات التي تحاول التخطيط للاستثمار، فإن عدم اليقين بشأن فواتير الطاقة هو “أسوأ عدو”، حسبما قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي فرانسوا فيليروي دي جالو مؤخراً.
هناك خطر آخر يتمثل في إنفاق الكثير من الأموال لفترة زمنية طويلة، كما أن هناك إغراء لدى الحكومات يتمثل في تعزيز الموارد المالية من ضرائب القيمة المضافة الإضافية المدفوعة على سلع باهظة الثمن بشكل متزايد.
حذر البنك المركزي الإسباني من أن هذا لا ينبغي أن يؤدي إلى قفزة في الإنفاق العام الهيكلي، حيث يمكن أن يؤثر التضخم في النهاية على عائدات الضرائب عن طريق تباطؤ الاستهلاك والاستثمار.
تغير بعض الدول مسارها بشأن النقاط الثلاث، ويأتي ذلك جزئياً بعد دعوات من صُناع السياسة بعدم التراجع عن جهود السياسة النقدية.
لقد رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس خلال العام الجاري، ويُتوقع ارتفاعها مرة أخرى في ديسمبر، مع تسارع التضخم في منطقة اليورو إلى 10.6% الشهر الماضي.
يشير كلايس، من مركز الأبحاث “بروجيل”، إلى ألمانيا، التي بدأت بالإنفاق بشكل كبير على تخفيض رسوم الوقود وتحاول الآن خلق حوافز على أسعار التجزئة والغاز والكهرباء.
أزعجت الحكومة شركائها الأوروبيين بخطة لإنفاق 200 مليار يورو حتى ربيع 2024، في ظل استهدافها دعم الاستهلاك الأساسي للكهرباء والغاز والتدفئة المحلية للشركات والأسر التي تغطي 80% من الفواتير، لكن التأخير يعني أن الأسر لن ترى أي تخفيف حتى مارس، لذلك وعدت الحكومة بمبالغ إجمالية في ديسمبر.
وفي فرنسا، حيث يتذكر الرئيس إيمانويل ماكرون احتجاجات “السترة الصفراء” ضد خطط زيادة الضرائب على الغاز في محطات الغاز، فضلاً عن أنها كانت أول بلد في أوروبا يخفض تكاليف الطاقة قبل عام.
لقد جمدت فرنسا فواتير الغاز في أكتوبر 2021 ووضعت سقفاً قدره 4% للزيادة في أسعار الكهرباء، كما أن تتوقع الحكومة الفرنسية إنفاق نحو 100 مليار يورو بحلول نهاية عام 2023 بجانب التدابير اللاحقة.
يذكر أيضاً أن الوزراء الفرنسيين خططوا لإلغاء خصم على البنزين والديزل لجميع السائقين لكن انتهى بهم الأمر لتمديده لأنهم فشلوا في الاتفاق على آلية من شأنها دعم الأسر الأقل ثراءً وأولئك الذين يحتاجون إلى القيادة للعمل.
كذلك، أنفقت إيطاليا حوالي 75 مليار يورو، كما وافقت حكومة رئيس الوزراء اليميني الجديد جيورجيا ميلوني مؤخراً على حوالي 9 مليارات يورو من مساعدات الطاقة وقالت إنها ستدرس حزم دعم جديدة.
وفرضت هولندا سقفا مؤقتا لأسعار الغاز والكهرباء، كما قدمت دعماً للأسر منخفضة الدخل وتمديد لخفض ضريبة الوقود، فضلاً عن أن الحدود القصوى للأسعار ستكلف وحدها أكثر من 20 مليار يورو.