كيف يمكن لـ”الهند” الاستعداد لمواجهة مشاكل النظام المالى؟


التشديد النقدى السريع يزيد من الضغط المفروض على المقرضين الأضعف

وصفت المديرة العامة لصندوق النقد الدولى، كريستالينا جورجيفا، الهند بأنها نقطة مضيئة “فى الأفق المظلم”، مستشهدة بأدائها الاقتصادى القوى نسبياً والإصلاحات الهيكلية.

ومع ذلك، نظراً لأن بنك الاحتياطى الهندى يتبع قيادة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى وقطيعاً من البنوك المركزية الأخرى فى تشديد السياسة النقدية، فقد بدأت تظهر فى البلاد علامات محتملة على ركود متسارع بشكل مصطنع.

وانكمش الإنتاج الصناعى فى البلاد بنسبة 0.8% فى أغسطس مقارنة بالعام السابق، وقد كان هذا الانخفاض هو الأول فى 18 شهراً، كما انتعش الإنتاج بنسبة 3.1% فى سبتمبر، وقفزت البطالة من 6.4% فى سبتمبر إلى 7.8% فى أكتوبر، وتفاقمت جزئياً بسبب العوامل الموسمية المتعلقة بحصاد الريف.

واستمر مؤشر أسعار المستهلك فى الارتفاع فوق سقف 6% من النطاق المستهدف لبنك الاحتياطى الهندى، على الرغم من أن وتيرة ارتفاع الأسعار تراجعت إلى 6.8% على أساس سنوى فى أكتوبر من 7.4% فى سبتمبر.

وقلص صندوق النقد الدولى بالفعل توقعاته لنمو الناتج المحلى الإجمالى السنوى للهند مرتين هذا العام، وفى المرة الأخيرة خفضها إلى 6.8%، بسبب انخفاض الطلب المتوقع على الصادرات مع تباطؤ الاقتصادات العالمية، وكان الصندوق يتوقع فى الأصل نمواً بنسبة 8.2% هذا العام للهند.

وذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية أن ضعف الروبية الهندية، التى كانت تتأرجح فوق 80 روبية مقابل الدولار، أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادى من خلال زيادة تكلفة الواردات، وخاصة الوقود.

وفى الوقت نفسه، أدى التدخل العنيف من قبل بنك الاحتياطى الهندى لمنع الروبية من التراجع أكثر إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبى للبلاد.

ورفع بنك الاحتياطى الهندى معياره، المعروف باسم معدل إعادة الشراء، بما يقرب من 2% على أربع حركات منذ مايو، ويتوقع أن يشهد ارتفاعا آخر الشهر المقبل مع مزيد من التحركات فى المستقبل حتى يتمكن من تثبيت التوقعات التضخمية للمستهلكين والشركات الهندية.

وشعرت البنوك التجارية بتأثير حملة التشديد هذه على دفاتر قروضها، حيث يرتبط سعر الفائدة على نحو نصف القروض غير المسددة فى دفاتر البنوك التجارية فى البلاد بسعر الريبو التابع للاحتياطى الفيدرالى الهندى، وبالتالى فإن كل زيادة فى سعر الفائدة ترفع التكاليف بالنسبة للمقترضين.

وجدير بالذكر أن سعر الفائدة على القروض الجديدة ارتفع بمقدار 1% تقريباً منذ مايو بالفعل، وهذا الأمر يعنى أن تكلفة رأس المال قد ارتفعت بالنسبة للمقترضين الهنود على الرغم من ازدهار ثقة المستهلك.

وإذا كان هناك بعض التخلف عن السداد فى ضوء أعباء الفائدة المتزايدة، فستكون البنوك التجارية أول من يتأثر بهذا الأمر، فلا شك أن تعرض تلك البنوك لمقترضين محفوفين بالمخاطر سيحدث هزة عنيفة فى الاقتصاد بأكمله.

ولتقليل مستويات الضغط فى النظام والسماح للبنوك بالتركيز على تلبية المطالب الاقتصادية الحالية للائتمان، بدأ بنك الاحتياطى الهندى العمل مع وزارة المالية الهندية العام الماضى لإنشاء بنك سيء يمكنه الاستحواذ على الأصول القديمة المتعثرة من البنوك التجارية.

وأخرت البيروقراطية البطيئة بداية البنك السيء، فقد كان من المقرر أن يحصل على قروض متعثرة بقيمة 6 مليارات دولار من البنوك التجارية بحلول مارس الماضى، لكنها وصلت الآن إلى نصف هذا المستوى فقط، ومايزال مصير المليارات الإضافية فى القروض المتعثرة غير واضح فى البلاد.

وبناءً على الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية وغيرها من الأحداث، يجب على صُناع السياسات بناء المزيد من الدفاعات لحماية استقرار النظام المالى.

وكخطوة تالية، ينبغى عليهم إطلاق دراسة جدوى حول نشر صندوق إنقاذ طارئ على غرار برنامج إغاثة الأصول المتعثرة فى الولايات المتحدة، والذى ساعد على استقرار النظام المالى الأمريكى فى عام 2008-2009 عبر ضخ رأس المال فى “سيتى جروب” و”بنك أوف أمريكا” ومجموعة التأمين الأمريكية الدولية وغيرها.

ويجب أن ينشئ بنك الاحتياطى الهندى أيضاً فريقاً قادراً على شراء سندات الشركات وغيرها من الأوراق المالية ذات الدخل الثابت خلال أوقات الشدة لاحتواء الارتفاع فى العائدات التى يمكن أن تزعزع استقرار أسواق رأس المال.

هذا الأمر سيكون مشابهاً للإجراء الذى اتخذه بنك إنجلترا مؤخراً لتجنب انهيار صناديق التقاعد الرئيسية عندما ارتفعت عائدات السندات الحكومية وسط مخاوف بشأن الخطط المالية لرئيس الوزراء آنذاك ليز تراس.

وعلى الرغم من أن الهند فى وضع أقوى من جيرانها فى جنوب آسيا والعديد من أقرانها الآخرين من حيث الاحتياطيات الأجنبية والقوة الاقتصادية، إلا أن الوقت لم يحن بعد للاحتفال، بل مازال يتعين على البلاد التصرف بسرعة وحسم حتى تدعم أهداف التنمية طويلة الأجل وكذلك الحفاظ على ثقة المستثمرين العالميين والجهات الفاعلة المحلية، فليس هناك وقت لتضيعه فى الاستعداد لمواجهة المشاكل.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: الهند

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2022/11/24/1601139