تتجه باكستان نحو شتاء قارس البرودة، حيث يستعد المواطنون والصناعات لنقص حاد في الغاز الطبيعي.
كما يستعدون أيضاً لتراجع احتياطيات النقد الأجنبي والعقوبات المفروضة على روسيا وإيران التي تحد من خياراتها.
وتهدد المشكلة بإذكاء مزيد من الاضطرابات في بلد يعاني بالفعل من الاضطرابات السياسية، إذ أغلق محتجون مؤخراً أحد الطرق السريعة بسبب تعليق إمدادات الغاز، وأغلق متظاهرون أخرون الطرق الرئيسية داخل كويتا مع بدء موسم البرد.
ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية أن المخاوف بشأن الطاقة الشتوية بالكاد تقتصر على الدولة الواقعة في جنوب آسيا.
وبما أن الحرب الناشبة في أوكرانيا تزعج الأسواق وسلاسل الإمداد، فإن الحكومات من اليابان وكوريا الجنوبية إلى أوروبا تشعر بالقلق من نقص الإمدادات في الأشهر المقبلة، كما تعاني بنجلادش المجاورة أيضاً من مشاكل الطاقة في وقت تكافح فيه مشاكلها الاقتصادية الخاصة.
ومع ذلك، يبدو موقف باكستان محفوفاً بالمخاطر بشكل خاص نظراً للضغوط الأخرى التي تعصف بالبلاد، والتي تفاقمت بسبب البنية التحتية الصعبة التي تسرب الغاز الذي لا تستطيع الأمة تحمل تبديده.
قال تيمور فهد خان، الباحث المشارك في مركز وجهات النظر الاستراتيجية التابع لمعهد الدراسات الاستراتيجية بإسلام أباد، إن أزمة الغاز هي قنبلة أخرى للشعب والاقتصاد الباكستاني.
وأوضح أن نقص الغاز “سيؤدي إلى تفاقم انعدام أمن الطاقة في البلاد ويؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في باكستان التي تواجه بالفعل اضطرابات اقتصادية وتعاني من عدم الاستقرار السياسي”.
تشير هيئة تنظيم البترول والغاز الباكستانية إلى أن الاستهلاك المحلي السنوي يبلغ 1.4 تريليون قدم مكعب وينمو بمعدل 5% سنوياً، كما يبلغ الإنتاج السنوي داخل باكستان 732 مليار قدم مكعب من الاحتياطيات التي يعتقد أنها كافية لمدة 12 عام أخر فقط.
عادةً ما يتم ملء الفجوة السنوية بالغاز الطبيعي المسال المستورد، لكن الخبراء يقولون إن الاضطرابات العالمية الناجمة عن حرب أوكرانيا جعلت فكرة استيراد الغاز الطبيعي المسال المطلوب فكرة مكلفة للغاية بالنسبة لباكستان.
تعليقاً على الأمر، قال خان إن “موردي الغاز الرئيسيين مثل السعودية وقطر والإمارات يزيدون إمداداتهم إلى أوروبا، بغض النظر عن الطلب المتزايد من الدول النامية مثل باكستان، مما يتسبب في نقص كبير في الطاقة”.
يبدو أن التسريبات في خطوط الغاز تجعل الأمور أسوأ.
وقال أرشد عباسي، مستشار الطاقة في معهد سياسات التنمية المستدامة بإسلام أباد، إن نسبة تسرب الغاز تبلغ 18%، موضحاً أن هذه النسبة تبلغ نحو 2.5% في كندا وألمانيا وأوكرانيا ونيوزيلندا.
وأوضح أن باكستان تخسر نحو 4 مليارات دولار سنوياً بسبب تسرب الغاز، مشيراً إلى إمكانية إصلاح ذلك باستثمار 500 مليون دولار لمرة واحدة لإصلاح شبكة نقل وتوريد الغاز، لكن يصعب الحصول على السيولة، بالتالي اضطرت باكستان للذهاب إلى صندوق النقد الدولي هذا العام لتأمين شريحة قرض بقيمة 1.17 مليار دولار.
يبدو أن الخيار الآخر لباكستان بعيد المنال، وهو خط أنابيب الغاز طوله 1800 كيلومتر بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند، ففي حال اكتماله ستحصل باكستان على حوالي 490 مليار قدم مكعب من الغاز من خط الأنابيب سنوياً.
لكن الباحث خان لا يرى أن خط الأنابيب الواصل بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند يتجسد في المستقبل القريب، مستشهداً بالعقبات المالية والتقنية والسياسية.
وقال إن “الوضع الأمني المتدهور وعدم الاستقرار في أفغانستان هو أكبر عقبة أمام بدء هذا المشروع، والذي لا يبدو أنه سيتحسن في أي وقت قريب”.