إنهاء السياسة الآن يمكن أن يطلق العنان للفوضى
لم تكافح جميع الشركات خلال حقبة “صفر كوفيد” التي فرضتها الصين.
فعلى سبيل المثال، سجلت “أندون هيلث”، وهي شركة مدرجة في شنتشن وتجري اختبارات كوفيد والأجهزة الطبية، زيادة بنسبة 32,000% في صافي الأرباح في الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، حيث أطلقت أجهزة اختبار للصين والولايات المتحدة.
وحققت أكبر 35 شركة منتجة لاختبارات كوفيد-19 عائدات تقدر بنحو 150 مليار يوان (أي ما يعادل 21 مليار دولار) في النصف الأول من عام 2022، ما أدى إلى صك جيل جديد من أباطرة الأوبئة.
لكن بعيداً عن المجمع الصناعي الصيني، ستجد أن اقتصاد يعاني، حيث أدت عمليات الإغلاق والقيود المرهقة على الحركة إلى تقويض ثقة المستهلك والنمو الاقتصادي.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، نشبت احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وتصاعدت التوترات خلال عطلة نهاية الأسبوع، ورفض الشباب في شوارع شنغهاي يوم 27 نوفمبر احتمال إجراء اختبارات وإغلاق لا نهاية لها ورددوا هتافات: “لا نريد اختبارات كوفيد، نريد الحرية”.
لم تكن الآثار الاقتصادية لمحاولة الصين للتخلص من الفيروس أكثر وضوحاً، لكن مع ارتفاع حالات الإصابة بالوباء في أسبوع 14 نوفمبر، انخفض عدد الرحلات الداخلية بنسبة 45% على أساس سنوي، وخسرت أكبر ثلاث شركات طيران في الصين 74 مليار يوان مجتمعة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022.
كذلك، تراجعت حركة مترو الأنفاق في أكبر عشر مدن في الصين بنسبة 32% على أساس سنوي، وانخفضت عائدات شباك التذاكر، وهو مقياس لاستعداد الناس للخروج والتجول، بنسبة 64%، كما اغلقت بعض أكبر دور السينما أبوابها تماماً.
ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن الإغلاق طُبق الآن في المدن التي تمثل حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للصين، متجاوزة الذروة السابقة البالغة حوالي الخمس في منتصف أبريل، عندما أغلقت شنغهاي، وفق مؤشر جمعه بنك الاستثمار الياباني “نومورا”.
وسجل معدل بطالة الشباب في الصين أعلى مستوى قياسي له في يوليو عند 19.9%، كما أن مقياس إنتاجية الشحن البري في الأسبوع المنتهي في 25 نوفمبر كان أقل بنسبة 33% من مستواه في العام السابق.
مع ارتفاع حالات الإصابة بكورونا إلى مستويات غير مسبوقة، يحاول صُناع السياسة الاقتصادية تعزيز الاقتصاد، حيث أعلن البنك المركزي عن خفض نسب الاحتياطي المطلوبة للمقرضين، وحاول التكنوقراط بث روح جديدة وثقة في سوق العقارات في الصين، حيث تراجعت المبيعات خلال العام الماضي.
كذلك، سعت تدابير التخفيف المعلن عنها في منتصف نوفمبر إلى مساعدة المطورين المتعثرين في الوصول إلى الائتمان، حتى يتمكنوا من مواصلة البناء.
ويُتوقع تحسن المعنويات قليلاً في الوقت المناسب، لكن الإغلاق المستمر وثقة المستهلك المتردية ستحيل دون شراء المنازل، وقد تبدو آفاق الاقتصاد ككل في عام 2023 قاتمة على نحو متزايد.
في ظل هذه الظروف، تبدو النظرة المستقبلية للاقتصاد قاتمة، فربما يستمر إغلاق الشركات والمناطق السكنية وحتى الأحياء بأكملها، رغم أنه قد يتم تجنب إغلاق المدينة بالكامل.
ويمكن أن يقوم المسؤولون المحليون أيضاً بذلك دون الإعلان رسمياً عن عمليات الإغلاق في محاولة للظهور على أنهم يدعمون إجراءات التخفيف الجديدة، وهذا الأمر لن يفعل شيئاً سوى زيادة حالة الارتباك.
ومن المحتمل أن تستمر العديد من المشكلات الحالية التي تواجه شركات الطيران وشركات السينما، وهذه المشكلات ستنتشر إلى الشركات الأخرى التي يتعامل معها المستهلك.
في الوقت نفسه، يمكن للشركات متعددة الجنسيات توقع اضطرابات مستمرة، كما أن المستهلكين الأمريكيين الذين يتسوقون لشراء هاتف جديد سيتذوقون طعم الإصابة بالفيروس.
جدير بالذكر أن الإغلاق الأخير لمصنع صيني يجمع أجهزة “أيفون” تسبب في حدوث اضطرابات شديدة لشركة “أبل”، فهذا المصنع، الذي يعمل به 200 ألف شخص ومملوك لشركة “فوكسكون” التايوانية، عانى من تفشي الوباء في أكتوبر، ما أدى إلى إغلاق جزئي.
وقد أصبح الطعام شحيحاً و تراكمت القمامة، ومن هنا ركض العديد من الموظفين بحلول أوائل نوفمبر للتخلص من ذلك، حيث قفزوا فوق الجدران وعلى الطرق السريعة في محاولة للوصول إلى منازلهم.
لحل نقص العمالة، دعا المسؤولون في مقاطعة خنان، حيث يقع المصنع، موظفي الحزب الشيوعي منخفض المستوى لبدء توظيفهم في خطوط الإنتاج بينما تحاول “فوكسكون” توظيف المزيد من العمال، لكن ربما تستمر معاناة الإنتاج من حالة تراجع.
هناك أيضًا احتمالية لحدوث اضطراب أكثر في عام 2023، حيث تصبح الحالات متوحشة وتضطر السلطات للتخلي عن سياسات “صفر كوفيد”، لكن هذه الفترة يمكن أن تشمل تباطؤاً واسع النطاق في النشاط التجاري، قد يختار أصحاب المتاجر والمتسوقين البقاء بالمنزل، وقد تتوقف المصانع مؤقتاً عن العمل مع انتشار العدوى في طوابق الإنتاج.
ويمكن أن يؤدي الارتباك وعدم الاتساق في السياسات بين المقاطعات والمدن والمقاطعات إلى إرباك سلاسل الإمداد لأسابيع، وربما يعتمد بعض المسؤولين المحليين على عمليات الإغلاق الخفية للحد من تفشي الوباء.
يقول المحللون في “كابيتال إيكونوميكس”، إنه حتى إذا كانت الصين ستنهي سياسات “صفر كوفيد” فوراً، فمن المحتمل ألا تظهر الآثار الاقتصادية الإيجابية حتى عام 2024.
كذلك، ستكون الفترة الانتقالية فترة اضطراب وعدم استقرار، وسيظل النمو منخفضاً، كما أن الاحتجاجات قد تستمر اعتماداً على كيفية تنفيذ السلطات المحلية لقيود انتشار الفيروس.