قبل عام، ألغى جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كتاب القواعد الذي استخدمه المستثمرون العالميون لأكثر من عقد.
كان التضخم الساكن لفترة طويلة يرتفع مع تخفيف عمليات الإغلاق الوبائي، لكن على مدى شهور حث محافظو البنوك المركزية، مثل باول، الأسر والشركات والمستثمرين على عدم الذعر، وأصروا على أن الاندفاع السريع في الأسعار سيكون عابرا.
لكن في 30 نوفمبر من عام 2021، أقر باول علناً بأن تقييمه ربما كان خاطئاً.
وفي حديثه خلال جلسة استماع في الكونجرس، قال إن “الضغوط التضخمية كانت مرتفعة”، حيث كان المعدل السنوي عند 6.8% آنذاك، وهو أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
وقال باول إن “إنهاء الاحتياطي الفيدرالي لعمليات شراء السندات التحفيزية قد تحتاج للتعجيل.. من المناسب من وجهة نظري التفكير في إنهاء التناقص التدريجي في عمليات شرائنا للأصول وربما بضعة أشهر قبل الموعد المقرر”.
بالنسبة للعين غير الخبيرة قد تبدو هذه ملاحظة روتينية، لكن إذا نظرنا إلى الوراء، فقد كان ذلك مألوفاً عندما كانت السوق في قمتها، التي صعدت إليها منذ أن منعتها البنوك المركزية من الانهيار عندما انتشر الوباء.
أنهي باول فعلياً حقبة كاملة من الأموال الرخيصة للغاية التي بدأت بعد الأزمة المالية العالمية.
سرعان ما بدأت السندات والأسهم في التراجع، لأنه للمرة الأولى منذ الأزمة، رسخ باول فكرة أن أسعار الفائدة ستحتاج للارتفاع بقوة، وأن البنوك المركزية ستزيل شبكة أمان شراء السندات التي عدها كثير من مديري الصناديق أمراً مسلماً به.
وبعد مرور عام، ما يزال المستثمرون يتعلمون التعايش مع واقع أسعار الفائدة المرتفعة والعوائد المنخفضة على المدى الطويل، كما أن بعض المستثمرين يمتلكون توقعات كئيبة للأعوام المقبلة.
لم يكن باول يدرك أن الحرب الروسية الأوكرانية ستؤدي بعد ثلاثة أشهر من تصريحاته إلى زيادة التضخم عبر أسعار السلع، وأنها ستجعل مهمته وموقفه أكثر صرامة خلال 2022، لكن التحول النموذجي الذي أشار إليه قبل عام شكل عاملاً رئيساً في إعادة ضبط ضخمة في الأسواق.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن قلة من المستثمرين قد يجادلون بأن الاحتياطي الفيدرالي وأقرانه في أماكن أخرى كانوا مخطئين في محاولة كبح التضخم.
في النهاية، يؤدي ارتفاع تكاليف السلع والخدمات إلى الإضرار بمستويات المعيشة للجميع، بينما يلحق انخفاض أسعار الأصول الضرر بشكل أساسي بمُلاك الأصول الأثرياء.
وعندما يترسخ، يمكن للتضخم أيضاً إصابة الأنظمة الاقتصادية بسرعة لأنه يرفع التوقعات لمزيد من الارتفاع في الأسعار، وهذا يؤدي إلى مطالبة العاملين بأجور أعلى، إذا تم تحقيقها، قد تزيد من تكاليف الشركات.
في يونيو، قال بنك التسويات الدولية، المعروف في الغالب باسم البنك المركزي للبنوك المركزية، إن “الاقتصادات الكبرى اقتربت من نقطة حاسمة، بعدها ينتشر علم النفس التضخمي ويتجذر”.
يشتكي كثير من مديري الصناديق من أن مسؤولي البنوك المركزية كان بإمكانهم، بل كان ينبغي لهم، التعامل مع هذه المشكلة في وقت أبكر، بدلاً من تقديم الدعم الذي كان ضرورياً عندما انتشر الوباء لأول مرة.
عوضاً عن ذلك، كان صُناع السياسة مخطئين عندما واصلوا خوض المعركة الأخيرة.
يقول أندرو ماكافري، كبير مسؤولي الاستثمار العالمي في شركة فيديليتي إنترناشونال، “اعتقدنا في ذلك الوقت، عند تعليقات باول في نوفمبر 2021، أنهم استيقظوا أخيراً على شيء رأيناه على مدى أشهر عديدة. لم يكونوا يخبروننا بأي شيء جديد، لقد وصلوا إلى نقطة الاعتراف في النهاية فحسب”.
لكن ليس بإمكان صُناع السياسات ولا مديرو الصناديق إعادة عقارب الساعة للوراء، وبدلا من ذلك، يتعلم مخصصو الأصول العيش في بيئة أكثر تحدياً بكثير، بينما استمر الاحتياطي الفيدرالي طوال العام في رفع أسعار الفائدة بشكل كبير وبدأ تقليص ميزانيته العمومية البالغة 9 تريليونات دولار، المليئة بعمليات شراء السندات من عصر التحفيز.
في الوقت نفسه أغلق البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا الصنابير، تاركين اليابان والصين فقط من بين الاقتصادات الكبيرة التي بقيت فيها أسعار الفائدة داعمة.
يتمثل أكبر تحول عن السياسة النقدية العالمية المتشددة في ارتفاع عوائد السندات، وهذا يعني أن مديري الصناديق اضطروا لخفض قيمة السندات الحالية التي يمتلكونها، فضلاً عن أنه يعني أن مبرر الاستثمار في الأصول الخطرة قد تراجع كثيراً.
يرحب بعض المستثمرين بهذا النظام الجديد، حيث قالت ألكسندرا موريس، كبيرة مسؤولي الاستثمار في صناديق سكاجين النرويجية “كان اصطداماً لا بد من حدوثه، الآن، للمال تكلفة، فلا يمكنك ضخ الأموال ببساطة في الشركات غير المربحة والشركات المحفوفة بالمخاطر، فنحن بحاجة لتخصيص أكثر عقلانية لرأس المال”.
في ذروتها عام 2020، كانت أسعار الفائدة منخفضة للغاية وكانت أسعار السندات مرتفعة لدرجة أن نحو 18 تريليون دولار من السندات الحكومية حول العالم جاءت بعوائد أقل من 0%، ما سبب خسارة مضمونة للمشترين الجدد الذين احتفظوا بها حتى تاريخ الاستحقاق.
أحد الاختلافات الكبيرة بالنسبة إلى المستثمرين الآن هو أن شبكة الأمان من البنوك المركزية ليست متاحة ببساطة في عصر التضخم الجديد هذا.