ما المطلوب لتنمية إنتاجية القطاع الزراعى المصرى؟

القطاع الزراعى يتراجع 5% على قائمة أكثر المساهمين فى الناتج المحلى خلال 20 عاماً

قبل أسبوع تقريباً، اجتمعت اللجنة الوزارية للإنتاج للمرة الأولى بتشكيلها الجديد، برئاسة رئيس الوزراء، مصطفى مدبولى، الذى أكد أنَّ اللجنة تعمل على دراسة سياسات وخطط التنمية لقطاع الإنتاج الزراعى.

فى هذا الإطار، تُناقش «البورصة» دور القطاع الزراعى وأهميته وحصته فى الاقتصاد المصرى، والذى رغم أهميته، نجد أن أداءه يتراجع بمرور السنوات على مؤشرات قائمة القطاعات الأكثر مُساهمةً فى الناتج المحلى الإجمالى، مُقارنة بباقى القطاعات، ونتج ذلك عن مجموعة من العوامل التى أثرت عليه، خاصة فيما يتعلق بالإتاحة المالية للاستثمار.

وفق البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإنَّ القطاع تراجع كثيراً خلال 20 عاماً كاملة، مثلت عقدين من الألفية الحالية.

تهاوت نسبة مُساهمة الزراعة المصرية فى الناتج المحلى الإجمالى لمصر من 16.5% إلى 11.5% خلال تلك السنوات، أمام الأداء المتزايد للقطاعات الأخرى، وكان يُسجل 17.4% قبل 3 عقود كاملة.

يرى البعض، أن انخفاض مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى لمصر يرجع إلى مُشكلات عدة، أبرزها محدودية التمويل المصرفى الموجه، إذ يتسم القطاع الزراعى بمحدودية موارده المالية وتواضع الاستثمارات المحلية الموجهة، الحكومية والخاصة، والأجنبية أيضاً.

يظهر ذلك من خلال التعرف على حصة القطاع فى التسهيلات الائتمانية نسبة إلى القطاعات الأخرى؛ حيث لم تتجاوز 1.5% من إجمالى أرصدة التسهيلات الائتمانية بنهاية أغسطس 2022، وفق بيانات البنك المركزى.

من خلال الأرقام الفرعية يتضح الموقف أكثر، فالقطاع الزراعى يتراجع على مستوى الاستثمارات نسبة إلى إجمالى الاستثمارات الكلية المصرية السنوية، لينخفض من 12.6% فى عام 2000 إلى 3.1% عام 2019.

أيضاً على مستوى الاستثمار الأجنبى المباشر، انخفضت حصة القطاع الزراعى السنوية نسبة إلى إجمالى الاستثمارات الأجنبية التى تجذبها مصر، وفى فترة المقارنة، من 4% إلى أقل من 1%.

وقال المستثمرون فى القطاع، إنَّ حل المشكلات يحتاج لاستراتيجية واضحة من الدولة، خاصة أن عمليات استصلاح الأراضى التى تحدث سنوياً لا تتناسب من النمو الكبير فى احتياجات الغذاء محلياً، ولتغطية أهداف التصدير.

«البلتاجى»: الزراعة استثمار طويل الأجل.. والأرض تحتاج 5 سنوات لبدء الإنتاج منها

ويقول شريف البلتاجى، رئيس شركة بلكو للحاصلات الزراعية، إنَّ القطاع المصرفى غالباً ما يُفضل ضخ النسبة الأكبر من المحفظة الائتمانية للإقراض للقطاعات بعيداً عن الزراعة، لارتفاع مخاطره، مقارنة بباقى النشاطات الأخرى.

وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزى، لا تتجاوز التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاع الزراعى 2.2% من إجمالى التسهيلات الممنوحة لجميع القطاعات، بما يقترب من 51 مليار جنيه خلال العام المالى الماضى، ويؤكد رأى «البلتاجى» تراجع هذه النسبة إلى 1.5% بحلول أغسطس 2022.

أوضح «البلتاجى»، أن القطاع المصرفى يجب أن يعى جيداً موقف القطاع الزراعى وآليات وشكل الاستثمار به، فهو استثمار طويل الأجل، إذ تستغرق الأرض الجديدة 5 سنوات فى المتوسط لبدء الإنتاج، ما يحتاج لآليات إقراض مختلفة وبفوائد مختلفة، بعكس باقى القطاعات أخرى يمكنها در عوائد من العام الأول.

«عيسى»: الملف الغذائى أحد أهم الملفات ذات الأولوية لأى اقتصاد

قال على عيسى، رئيس شركة نهضة مصر للاستثمار الزراعى، إنَّ القطاع يحتاج إلى مزيد من المُساندة من قِبل القطاع المصرفى والحكومة، والبنوك على حق فى طلب الضمانات اللازمة لحماية حقوقها لدى المقترضين، لكن القطاع الزراعى له وضع خاص، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.

أضاف أن المستثمر الزراعى لا يمكنه تقديم جميع الضمانات التى تطلبها البنوك، إذ لا توجد ضمانات عينية لذلك، فالاستصلاح دائماً ما يكون قبل عملية التمليك من الدولة، بهدف ضمان الجدية فى الاستثمار، لكن ما الذى يمكن أن يقدمه المستثمر من ضمانات مع هذا الوضع، فالأرض غير المملوكة لا تعتد بها البنوك كضمانة.

اعتبر أن وضع آليات حقيقية لتحفيز القطاع الزراعى على زيادة نشاطه وتسهيل الاقتراض، سيدعم قدرته على تحقيق التنمية المستدامة المطلوبة؛ نظراً إلى أهمية الملف الغذائى لأى اقتصاد دولة فى العالم.

«فرحات»: التغيرات المناخية إحدى عقبات التنمية فى الفترة الحالية

أضاف أحمد فرحات، رئيس شركة إكسترا جلوبال للحاصلات الزراعية، أن القطاع المصرفى يحتاج إلى تدشين إدارات مُختصة بالتعامل مع التمويلات الممنوحة للشركات الزراعية، ودراسة البيئة المحيطة بها والحالة الائتمانية، كواحدة من أهم خطوات التنميبة اللازم تنفيذها فى المرحلة الحالية.

اعتبر «فرحات»، أن التغيرات المناخية، واحدة من أهم التحديات أمام تنمية القطاع الزراعى فى الفترة الحالية، وأنه يجب النظر إليها بعين الاهتمام للمحافظة على الإنتاج الزراعى الذى يتأثر بها بمرور الوقت.

أضاف، أن المواسم الزراعية تتغير مع تغيرات مواسم الشتاء والصيف، وبعض المحاصيل المهمة يضعف إنتاجها فى مواسم عدة، مثل الموالح والمانجو والزيتون، وغيرها من المنتجات سريعة التأثر بالتغيرات المناخية.

قال إن التغير المناخى يضغط بصورة أو أخرى على التكاليف، بخلاف معاناة القطاع الزراعى من تضخم التكاليف فى نواحى أخرى، الأمر الذى يستدعى وضع خطط عاجلة للمحافظة عليها من الزيادة، بل وتقليلها.

ذكر «فرحات»، أن الضغط على التكاليف والإنتاج ينتقل بالتبعية إلى القطاع التصديرى، بصورة تؤثر على تنافسية المنتجات المصرية فى الخارج وتأكل من رؤوس الأموال والأرباح، ما يحد من عمليات التوسع فى النهاية.

أضاف أن الإجراءات الحكومية لحماية الصادرات من التراجع وتثبيت المنتجات المصرية فى الأسواق الدولية لها أهميتها، لكنها مكلفة.

قال عماد مهدى، رئيس شركة الفيروز للتنمية الزراعية، إنَّ التكاليف تتزايد بصورة شبه مستمرة على القطاع طوال السنوات الماضية، والتوجهات العالمية لسلاسل الإمداد تنذر بارتفاعات جديدة فى المستقبل.

أوضح أن التغيرات العالمية على المستوى الزراعى كبيرة، ويجب الالتفات إليها قبل تزايد الضغوط على المستثمرين من الشركات والأفراد محلياً، وبالتالى تأمين الاحتياجات المستقبلية من الغذاء فى وقت مبكر.

أضاف أن تسريع وتيرة التنمية، سيحقق هدف الاستثمارات الجديدة بداعى التنمية، وسيخلق ذلك بالتأكيد مزيداً من فرص العمل داخل القطاع، ما يوسع قاعدة الإنتاج بصورة تدعم فرصاً أفضل فى التصدير، وهذا لن يحدث دون تعديل تكاليف الإنتاج الزراعى بأسرع وقت.

«صيام»: غياب لخطط تسويق المحاصيل وقواعد بيانات الاحتياجات الحقيقية

أشار جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى، إلى أهمية الالتفات إلى عمليات التسويق الزراعى للمحاصيل، وارتفاع الفجوة التسويقية وعدد المراحل الوسيطة التى تُرهق المستهلك والمنتج فى النهاية، والتى تحصل على القيمة الأكبر من سعر المنتج.

أوضح «صيام»، أن كل مرحلة ينتقل فيها المنتج تمثل أكثر من 10% من قيمته، ويستغرق المنتج أكثر من 4 و5 مراحل فى أغلب الأحيان قبل أن يصل إلى المستهلكين.

قال إن ضعف منظومة التسويق يضر بالمنتجين الذين هم عمود القطاع الزراعى، واعتبر الضغط على هذه الفئة واحداً من أبرز أسباب تراجع أعداد العاملين بها مقارنة بباقى القطاعات، وذلك رغم أهميتها الاستراتيجية للاقتصاد المصرى.

أوضح أن ضعف منطومة التسويق، هو الوجه الآخر لغياب قاعدة بيانات كاملة عن الاحتياجات المناسبة واللازمة من كل محصول، وغيابها يتسبب بدوره فى كثير من الأحيان فى أن يترك المنتجون زراعة محصول ما مهم؛ لأن ارتفاع المساحات فى الموسم السابق فوق الحاجة عرضهم للخسارة.

تابع: «يؤدى ذلك لارتفاع الأسعار فجأة وفوق طاقة المستهلكين وينخفض المعروض بصورة واضحة، ما يبين أهمية العمل من خلال خطة واضحة وفقاً للاحتياجات الحقيقية، على مستوى الاستهلاك المحلى والتصدير أيضاً».

ينقلنا غياب منظومة التسويق وقاعدة البيانات، إلى أهمية التصنيع الزراعى، الذى يمكنه أن يكون أحد الحلول الرئيسية لتحقيق أكثر من هدف على صعيد التنمية الزراعية.

وتخسر المحاصيل الزراعية ما يزيد على 16% من إنتاجها السنوى فى مصر تحت مسمى «الفاقد»، وفق بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، أو بما يزيد على 100 مليار جنيه سنوياً، إذا أُحسن استخدامه يمكنه أن يوفر فى الفاتورة المرتفعة سنوياً لاستيراد الأغذية.

ووفقاً لبيانات غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، فإن عمليات تصنيع المحاصيل الزراعية فى مصر كل عام لا تتجاوز 10% من حجمها الكامل، وهى نسبة ضعيفة جداً مقابل إمكانات مصر الزراعية والتصنيعية.

واعتبر خبراء بالقطاع، أن الاهتمام باستثمارات عناصر القيمة المضافة لمنتجات مثل الفاكهة والخضراوات التى تُصدر فى شكلها الطازج، يرفع العائدات الدولارية من القطاع الزراعى الصناعى، بخلاف فرص العمل الجديدة التى ستتاح بالسوق.

«شكرى»: التصنيع الزراعى خطوة رئيسية نحو التنمية المستدامة لتحقيق قيمة مضافة حقيقية

قال محمد شُكرى، عضو غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، إن الفاقد يمكن أن يُستخدم فى عمليات التصنيع الزراعى، ما يدر عوائد اقتصادية بدلاً من تصدير المنتجات فى شكلها الخام بعوائد أقل.

أضاف «شكرى»، أن التصنيع الزراعى يفيد كذلك فى تقليل الفاقد من المنتجات ويسمح بتفعيل إيجابى لمنظومة التعاقدات الزراعية، ما يدعم ارتفاع عائدات الفلاحين، وبالتالى اهتمام أكثر بالعملية الإنتاجية، وأيضاً تشجيع الاستثمار الزراعى واستصلاح أراض جديدة يوفر فرص عمل ويرفع من حجم الصادرات.

قال أشرف الغنام، خبير زراعى، إن عمليات التصنيع الزراعى تمثل نشاطاً مُكملاً للزراعة، وتنميته تحتاج للتنسيق والتكامل بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير ووضع آليات لخلق علاقات بين منشآت التصنيع الزراعى والمستثمرين الزراعيين.

أوضح أن التكامل يسمح بتحقيق فوائد اقتصادية عدة، أبرزها تدوير المخلفات الزراعية مثل قش الأرز ومخلفات المحاصيل والحيوانات فى صناعات الأعلاف والأسمدة وتصنيع الورق والخشب، كما يسمح بإيجاد صناعة حقيقية فى القطاع، ويسهم التصنيع الزراعى فى إدخال الصناعات العشوائية العاملة فى مجال الصناعات الغذائية بمنظومة الاقتصاد الرسمى؛ حيث يساعدها على تطوير نفسها.

أضاف أن ضعف عمليات التصنيع الزراعى يفوت فرصاً كثيرة على الاقتصاد، خاصة فى محاصيل مثل القطن الذى يتم تصدير أكثر من 90% سنوياً منها فى صورتها الخام، والتى يمكن أن تدخل فى 3 صناعات مختلفة هى الزيوت والملابس والأعلاف.