
ذعر التضخم ينحسر إذ استقرت أسعار الطاقة وتراجعت اضطرابات الإمدادات المرتبطة بوباء كورونا، ويجب أن تعنى هذه العوامل وحدها أن التضخم فى الغرب يتراجع عن المعدلات المروعة والمضاعفة التى شهدناها مؤخرًا.
وتبدو البنوك المركزية واثقة بشكل متزايد من أنها استعادت السيطرة، وتتنفس أسواق السندات والأسهم الصعداء.
ومع انخفاض التضخم من خانة العشرات، يتحول المستثمرون إلى مسألة أين يمكن أن يستقر فى النهاية.. هل نعود إلى التضخم المتدنى الذى ساد معظم العقدين الماضيين؟ أم أنه سيبقى عند مستوى أعلى؟ فى رأيى 3 فى المائة ستكون 2% الجديدة، وهذا له آثار كبيرة على المستثمرين.
ويعد ارتفاع معدل تضخم أسعار السلع وتقلبه جزءًا من القصة، وكانت إحدى السمات اللافتة للنظر لعصر التضخم المنخفض هى أن سلة السلع غير المتعلقة بالطاقة التى اشتراها المستهلك البريطانى فى عام 1990 كانت أرخص بعد 30 عامًا لكن لا أستطيع أن أرى التاريخ يعيد نفسه.
ومن المحتمل أن تخضع أسعار السلع فى المستقبل لموجات تضخم، بنفس الطريقة التى رأيناها العام الجارى، وبعد الغزو الروسى الشامل لأوكرانيا، فقد الغرب مورده الرئيسى للعديد من السلع.
وإن فترة التكيف التى تستغرق عدة سنوات سيكون لها آثار على التكلفة، بينما ننتقل إلى مصادر بديلة، وسيؤدى الاعتماد على صغار المنتجين فى المناطق المتقلبة من العالم، أو على مصادر الطاقة المتجددة المعرضة لتقلبات الطقس، إلى فترات من النقص وارتفاع الأسعار.
وبالإضافة إلى ذلك، لم يعد شراء البضائع محكوماً بأقل تكلفة، ويعد التحكم فى توريد المدخلات الرئيسية وسلسلة الإنتاج الأوسع نطاقاً له أهمية قصوى بالنسبة للشركات والحكومات على حد سواء، وقد يتضمن ذلك إعادة التوريد إلى البلدان التى يكون فيها العمل أكثر تكلفة.
وقد تجادل البنوك المركزية بأنه إذا كان تضخم السلع أعلى باستمرار، فسيتعين عليها ببساطة إجبار تضخم قطاع الخدمات على الانخفاض، ورغم أن هذا صحيح من الناحية النظرية، فإن الواقع السياسى أقل وضوحًا.
وفى تحول كامل عن تجربة الثلاثين عامًا الماضية، سيتعين على عمال قطاع الخدمات فى الغرب قبول نمو فى الأجور أقل من المعدل الذى كانت ترتفع به أسعار السلع العالمية، بدلاً من ذلك، أتوقع أن تقبل البنوك المركزية معدل تضخم جديد أعلى قليلاً.
وفى النهاية، أعتقد أن هذا التحول الصعودى لن يتم قبوله فحسب، بل سيتم الترحيب به أيضاً، ويرجع ذلك إلى أن هدف التضخم بنسبة 3 فى المائة من شأنه أن يرفع متوسط سعر الفائدة الاسمى بمقدار نقطة مئوية واحدة إذا تساوت الأمور الأخرى.
ومن شأن ذلك أن يقلل من احتمالية الوصول إلى الحد الصفرى – المستوى الذى لا يمكن عنده خفض أسعار الفائدة لتحفيز النشاط – واضطرار البنوك المركزية إلى اللجوء لأدوات السياسة غير التقليدية مثل التيسير الكمة.
فى رأيي، من الواضح تمامًا الآن أن التيسير الكمى ليس بديلاً عن السياسة النقدية التقليدية لأنه يشابك البنك المركزى مع الحكومة بطريقة قد تهدد استقلاليتهما، أو على الأقل تصورات قدرتهما على التصرف بشكل مستقل.
ومن المرجح أن ترفض البنوك المركزية فكرة وجوب رفع هدف التضخم إلى أن تصبح أحدث حلقة من التضخم المرتفع وراءنا بكثير، لكن المستثمرين بحاجة إلى النظر فى الآثار المترتبة على ارتفاع متواضع فى التضخم فى العالم.
ومن الأفضل لمستثمرى السندات التخلى عن فكرة أن 3 فى المائة سيكون سعر الفائدة الاسمى المحايد طويل الأجل بل يجب أن يطلبوا عائدًا أعلى مما كان عليه فى العقدين الماضيين فى المتوسط بالإضافة إلى علاوة مخاطر للاعتراف بأنه سيكون هناك أيضًا تقلبات أكبر.
والآثار المترتبة على المستثمرين فى الأسهم أقل وضوحًا لأن الأرباح ستنمو بمعدل أعلى قليلًا ولكن الأرباح سيخصم منها أيضًا معدلات فائدة أعلى، قد تكون الشركات التى عملت فى مناطق تكافح فيها أرباحها فى مواجهة منافسى الأسواق الناشئة أكبر المستفيدين – يتبادر إلى الذهن الشركات الأوروبية.
ومن المفترض أن يفيد منحنى العائد الأعلى والأكثر حدة المؤسسات المالية العالمية، ولكنه سيكون بمثابة رياح معاكسة لشركات التكنولوجيا، على سبيل المثال، وفى المقابل فإن هذا من شأنه أن يحابى أسهم القيمة العالمية على أسهم النمو.
وأخيرًا، سيحتاج المستثمرون إلى أصول تحميهم من نوبات تضخم عالية من حين لآخر، ولسوء الحظ كما يظهر هذا العام بشكل جيد للغاية، لا تقوم السندات ولا الأسهم بهذه المهمة.
أفضل الخيارات هنا هى البنية التحتية الخاصة والعقارات والأخشاب، والتى لها تدفقات دخل مرتبطة بشكل أكبر بالتضخم.
فليحذر المستثمرون، فقد استيقظ التضخم مثل مراهق سيئ المزاج والذى أصبح فجأة أكبر، وقادر على التخلص من الخزائن وعرضة لنوبات التقلب.
بقلم: كارين وارد، كبيرة استراتيجيى السوق لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا فى “جيه بى مورجان”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”