على مدى العشرين عاماً الماضية، تخلصت الصين من حالة الغموض التى تحيط بها لتصبح رائدة عالمية فى صناعة قطع غيار السيارات.
كان نموها مدفوعاً بشركات صناعة السيارات الأوروبية والأمريكية التى نقلت عمليات إنتاج عدد متزايد من مكوناتها إلى الصين لتوفير التكاليف وإنشاء روابط مع أكبر سوق للسيارات فى العالم.
لكن المجموعات الدولية أطلقت الآن جهوداً هادئة لكنها منسقة لخفض اعتمادها على شبكة صُناع المكونات الصينيين المترامية الأطراف، وفق مسئولين تنفيذيين فى الصناعة وخبراء فى سلسلة الإمداد.
قال تيد كانيس، أحد كبار المسئولين التنفيذيين فى شركة «فورد»: «هناك إعادة تفكير واسعة النطاق فى العمليات اللوجستية عبر الصناعة، وسلسلة الإمداد ستكون محور العقد الزمنى الحالى».
ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن هذه الخطوة كانت مدفوعة بتطورين، أولهما يتعلق بانعدام اليقين الناجم عن سياسة الصين «صفر كوفيد» التى تجبر المصانع على الإغلاق فى وقت قصير.
عندما أعلن أن شركة صناعة السيارات المدعومة من «جيلى» تزيد من استخدامها للمكونات غير الصينية، قال رئيس شركة «فولفو» جيم روان فى بداية العام الجاري، إنه «كلما طال انتشار الوباء، زاد عدم اليقين».
لكن التطور الثانى يتعلق بالقلق على المدى الطويل بشأن أمر سياسى أكبر فى حالة انهيار علاقات الصين مع المجتمع الدولى، على غرار روسيا، ما قد يهدد التجارة.
بالرغم من أنه من غير المرجح أن تتخلى معظم المجموعات الدولية عن السوق الصينى تماماً بسبب حجمها، فإنها تتوقع أن ينخفض تدفق المكونات من البلاد إلى المصانع فى جميع أنحاء العالم بمرور الوقت.
وبالتالى، يهدف المصنعون الأجانب إلى تصنيع قطع غيار وسيارات داخل الصين للاستخدام داخل البلاد، وهذا يقلل من اعتمادهم على المصانع الصينية للسلع المباعة فى الخارج مع الاحتفاظ بسلسلة إمداد محلية آمنة لمصانعهم الخاصة داخل البلاد.
قال تقرير صدر عن جامعة «شيفيلد هالام» فى ديسمبر، والذى سلط الضوء على صعود البلاد كمورد عالمى خلال العقدين الماضيين، إنَّ ربع قطع غيار السيارات المصدرة من الصين ينتهى بها الأمر فى المصانع الأمريكية فى الوقت الراهن.
يقارن رؤساء شركات السيارات هذه التجربة مع تجربتهم فى روسيا بعد غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
بعد ذلك، اضطرت مجموعات السيارات، بدءاً من «رينو» وحتى «مرسيدس- بنز»، للتوقف عن العمل أو بيع المصانع فى روسيا، بينما كان لا بد من الحصول على المكونات الرئيسية، مثل البلاديوم، من مكان آخر.
قال كانيس، من «فورد»: «أعتقد أن عالم السيارات فوجئ بروسيا وأوكرانيا، كما أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين أصعب مما كانت عليه فى السابق.. إنه عالم جديد».
مع ذلك، ستستغرق عملية تغيير سلسلة الإمداد وقتاً خاصة أن شركات صناعة السيارات نادراً ما تُبدل مصادر المكونات حتى نهاية عمر السيارة، وهو حوالى سبعة أعوام.
يمكن أن يكون الأمر أيضاً مكلفاً بالنسبة لصناعة تعمل بالفعل بهوامش ربح ضئيلة.
قال تيد مابلى، مستشار سلسلة الإمداد فى شركة «بولريكس بارتنر»، إن التحول بعيداً عن الصين «سيتسبب فى رفع الأسعار لكل من العمالة والمواد».
هذا يعنى أنه يجب على شركات صناعة السيارات تحقيق وفورات فى أماكن أخرى، خاصة مع ارتفاع التكاليف فى التحول إلى الكهرباء أو المخاطرة بأن تصبح غير قادرة على المنافسة.
تعليقاً على الأمر، قال كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذى لشركة «ستيلانتس»: «إذا لم نصلح مشكلة القدرة على تحمل التكاليف، فلن تشترى الطبقات الوسطى السيارات الكهربائية».
وتابع «تافاريس»: «إذا كانت قطع غيار تستحوذ على 85% من التكلفة الإجمالية للسيارة، وإذا لم تتصرف وفقاً لهذه النسبة البالغة 85%، فلن يكون لك أى تأثير»، وهذا «يتطلب منا استخدام دول منخفضة التكلفة».
وأضاف أن الصين «ليست الدولة الوحيدة ولا حتى الأفضل، فهناك كثيراً من الخيارات عبر الهند والمكسيك وأجزاء من شمال أفريقيا وآسيا».
مع ذلك، تهدف شركات صناعة السيارات أيضاً إلى أن تكون أكثر صرامة فيما يتعلق باختيارهم للموردين؛ حيث يركزون على مرونة سلسلة الإمداد، فضلاً عن التكاليف.
من هذا المنطلق، قالت شركة صناعة السيارات اليابانية «مازدا» إنها تحول إنتاج بعض المكونات المصنوعة فى الصين إلى سوقها المحلى فى اليابان. هذه علامة على أنه حتى شركات صناعة السيارات اليابانية، التى تميل إلى أن تكون أقل اعتماداً على البلاد من منافسيها فى أوروبا أو الولايات المتحدة، بدأت فى تقليل اعتمادها على سلاسل الإمداد الموجودة فى الصين.
ومع ذلك، بالرغم من الحذر المتزايد، لا تزال الصناعة تعتمد على المبيعات للمستهلكين فى السوق الصينى، ما يصعب على المدراء التنفيذيين التحدث صراحة عن بعض التغييرات.