كان العام المنصرم عام السياسة الصناعية، وسعياً وراء إزالة الكربون بسرعة، ومرونة سلسلة التوريد، وفصل الصين، نشهد إعادة رسم للحدود بين الحكومة والشركات على جانبى المحيط الأطلسي، وهذا يعنى انتقاء الفائزين والتعايش مع مخاطر ارتكاب الأخطاء، وهذا يعنى الانخراط مع المنتجين الذين يبيعون لك حلولهم مقابل معاملة تفضيلية، كما أنه يعنى تصاعد التوتر الدولي.فى عام 1742، كان ديفيد هيوم يحذر من الصراع الناجم عن «غيرة التجارة».
وفى أوائل القرن العشرين، اتفق الليبرالى جى إيه هوبسون والبلشفى فلاديمير لينين على شجب حقبة الإمبريالية العنيفة التى نتجت عن زواج رأس المال الخاص بالدولة القومية، ثم بدا الأمر كما لو أن العمل الجشع هو المحرك الرئيسي.
واليوم، لايزال الاقتصاد مهمًا، فالناتج المحلى الإجمالى للصين هو ما يجعلها منافساً هائلاً. ولكن ليس جاك ما هو من يجلس على مقعد القيادة بل إن تصعيد التوتر مدفوع بطموح نظام الحزب الشيوعى لشى جين بينغ ورد فعل مؤسسة الأمن القومى الأمريكية.
لقد أصبح المستقبل الذى رسمته الشركات العالمية موضع تساؤل عميق، وعالمنا ليس لا يوجد به بدائل، بل نحن فى عالم يوجد به بدائل حقيقية، فى كل من الاقتصاد والاستراتيجية الكبرى، وهذا يقودنا إلى مسألة الاختيار، سيكون عالمنا ما يصنعه الأقوياء.
فى هذا الاقتصاد العالمى ثلاثى الأقطاب – الذى تشكله الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والصين – يتمثل المصدر الأساسى للتوتر فى المواجهة بين واشنطن وبكين، علاوة على هجوم روسيا على أوكرانيا، جعل التوتر المتصاعد بشأن تايوان عام 2022 هو العام الذى أصبحت فيه الحرب العالمية الثالثة خطرًا حقيقيًا، الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن العام ينتهى بخلاف بين أوروبا والولايات المتحدة حول قانون خفض التضخم الأمريكي، وهذه ليست قضية صغيرة، وبموازنة قدرها 500 مليار دولار.
يعد قانون التضخم الأمريكى هو أكبر استجابة من قبل السياسة الصناعية لأزمة المناخ العالمية حتى الآن، بالنسبة للأوروبيين، فإن هذا القانون، بتفضيله العلنى للإنتاج فى أمريكا الشمالية، يخالف المعايير العالمية التى تجسدها منظمة التجارة العالمية.
حذر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من أن الولايات المتحدة تخاطر بتقسيم «الغرب»، ويدعو آخرون أوروبا لتأكيد استقلاليتها الاستراتيجية من خلال إطلاق سياستها الصناعية الخاصة.
وعلى مستوى من المستويات هذا يمكن التنبؤ به، هناك تاريخ طويل من الخلافات التجارية بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، ولكن حتى لو سمحنا بذلك، فإن رد الاتحاد الأوروبى الحالى على قانون التضخم الأمريكى غير متناسب ويطرح أسئلة.
أولاً، التوقيت غريب، كانت شروط صفقة قانون التضخم الأمريكى واضحة بحلول نهاية يوليو، وانتظرت أوروبا حتى نوفمبر فى أعقاب محادثات المناخ للرد عليه، وقد يكون الرقم المخصص الرئيسى لقانون التضخم الأمريكى كبيرًا، لكن الاقتصاد الأمريكى ضخم وسيتم إنفاق الموازنة على مدى 10 سنوات.
من الناحية النسبية، يمثل القانون نصف حجم ما التزمت به أوروبا بالفعل فى دعم الطاقة النظيفة، أما بالنسبة للسياسة، فبعيدًا عن كونها خطوة استراتيجية جريئة من قبل إدارة بايدن، فقد ظهر هذا الفعل من مساومة يائسة فى الكونجرس تم فيها إملاء الشروط من قبل جو مانشين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ويست فرجينيا للفحم.
من وجهة النظر الأمريكية، فإن ما يثيره الأوروبيون لا مبرر له فيما يتعلق بالمناخ، فإن قانون التضخم الأمريكى هو أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، ويجب أن تتعايش أوروبا معه، ولكن إذا طلبت واشنطن اعتبارات دبلوماسية، فإن الأمر نفسه يسير فى الاتجاه المعاكس.
ماذا لو كانت أوروبا، للتغلب على قيودها الخاصة بالسياسة الصناعية، بحاجة إلى شيء تثير ضجة حوله؟ الناس مغرمون بالاقتباس من جملة جان مونيه بأن أوروبا صنعت من رحم أزمة.
وهذا يعنى وجود كيمياء تفاعلية تظهر فيها مؤسسات جديدة كاستجابات وظيفية للتحديات، وما يحجبه هذا هو أن الأمر يتطلب السياسة لتحديد الأزمة وابتكار الرد، وأقل ما يمكنك قوله عن رد فعل الاتحاد الأوروبى على قانون التضخم الأمريكى هو أن هذه أزمة اختارها قادة أوروبا.
الصدام الأوروبى مع الكونجرس وإدارة بايدن سيكون له نتائج عكسية للغاية، وما نحتاجه هو التعاون وليس الصراع، ولننظر للجانب الإيجابى إذ ظهر لوبى أمريكى قوى لتوسيع سوق الطاقة الخضراء، مما يوفر فرصًا كبيرة للشركات الأوروبية.
إذا كانت أوروبا تريد تعزيز شركاتها، فعليها تبنى بند «شراء الأوروبي»، ولن تكون الولايات المتحدة فى وضع يمكِّنها من الشكوى، نحن فى عصر انتقالى مضطرب، فالأساليب الجديدة للتدخل الصناعى هى أفضل وسائلنا للاستجابة للتحديات المتعددة المقبلة، وهذه تنطوى على تضارب لا حصر له فى المصالح، لكن دعونا لا نخلط هذه التوترات مع مسائل السيادة أكثر مما يجب علينا، قد يكون قانون التضخم الأمريكى عرضاً مرضيا للعملية السياسية الأمريكية التى تحولت داخليًا، لكنه لا يشكل تهديدًا وجوديًا لأوروبا، لا يوجد أى عذر لإطلاق العنان لسباق تسلح للسياسة الصناعية عبر الأطلسي.
بقلم: آدم توز، محرر مساهم فى «فاينانشال تايمز»
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»