الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ورابطة دول جنوب شرق آسيا خفضت الواردات بسبب التضخم
على مدى الأعوام الماضية، كانت الطرق المؤدية إلى ميناء “نينغبوه – تشوشان” فى مقاطعة تشجيانغ بشرق الصين تتسم بالاكتظاظ فى الأسبوع السابق لعطلة العيد الوطنى الأول من أكتوبر، فهذا هو موسم الذروة للشحن، لكن الأمر تغير تمامًا.
تراجعت صادرات السلع الصينية المقومة بالدولار بنسبة 8.7% على أساس سنوى فى نوفمبر بعد تقلصها بنسبة 0.3% فى أكتوبر، وفقاً للبيانات الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك، وهو أقل بكثير من متوسط الانكماش بنسبة 3.4% الذى قدره الاقتصاديون الذين شملهم الاستطلاع من قبل “كايكسين”.
وكان هذا الانخفاض أيضاً أكبر انخفاض منذ فبراير 2020، عندما توقفت الحركة فى معظم أنحاء العالم إثر تفشى فيروس كورونا، حسبما ذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
ومما زاد الطين بلة أن هذا الرقم يبدو متأخراً، فمنذ أواخر عام 2021، أدى ارتفاع أسعار المواد الخام والمكونات المستوردة إلى زيادة أسعار منتجات التصدير الصينية، ما أدى إلى نمو واضح فى القيمة التجارية، بينما كان إنتاج حاويات التصدير لبعض المنتجات فى الواقع فى انخفاض بالفعل، بحسب تساى جياشيانغ، نائب رئيس جمعية التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادى الصينية، ولم ينعكس الانخفاض فى طلبات التصدير تدريجياً على قيمة التجارة الإجمالية حتى أغسطس.
وبدأ مؤشر “تشاينا كونتريزيد فرايت”، الذى يتتبع أسعار الشحن الفورية والتعاقدية التى تغادر موانئ الحاويات الصينية الرئيسية على 12 طريقاً للشحن، فى الانخفاض فى أغسطس، كما انخفض المؤشر، الذى أصدرته بورصة شنغهاى للشحن، بنسبة 13.6% على أساس شهرى فى نوفمبر بعد انخفاض حاد بنسبة 24.8% فى أكتوبر.
والسبب الرئيسى هو الطلب، الذى انخفض فى الأشهر الأخيرة فى أكبر 3 أسواق تصدير للصين، وهى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”.
مع ذلك، اختلف سبب التباطؤ حسب المنطقة، فقد أدى التضخم المرتفع فى الولايات المتحدة إلى خفض القوة الشرائية للأسر، بينما أجبرت المستودعات الممتلئة تجار التجزئة على إلغاء الطلبات، وفى أوروبا، أدى الارتفاع الصاروخى فى أسعار الطاقة إلى حدوث تضخم أدى لإبقاء محافظ المستهلكين مغلقة، مع استثناء واحد ملحوظ.
وفى الوقت نفسه، ضرب نفس الركود فى الطلب العالمى الذى يؤثر على المصدرين الصينيين بعض عملائهم فى جنوب شرق آسيا، مما يشجعهم على خفض الطلبات على المنتجات الصينية.
وكل هذا لا يبشر بالخير بالنسبة للاقتصاد الصينى، فقد أبقت مرونة التجارة اقتصاد البلاد فى حالة ازدهار خلال وباء كورونا، عندما تركت عمليات الإغلاق للمستهلكين فى الخارج خيارات إنفاق قليلة بخلاف شراء السلع.
وأظهرت بيانات الجمارك تباطؤ نمو الصادرات إلى الولايات المتحدة على أساس سنوى فى يوليو وظل فى المنطقة السلبية منذ أغسطس، كما تراجعت الصادرات إلى الشريك التجارى الرئيسى بنسبة 25.4% على أساس سنوى فى نوفمبر ونمت من انكماش نسبته 12.6% فى أكتوبر.
وتباطأ الطلب الأمريكى خلال العام الجارى مع ارتفاع التضخم، ما دفع بنك الاحتياطى الفيدرالى إلى زيادة أسعار الفائدة سبع مرات حتى الآن هذا العام.
ويبدو أن الارتفاعات قد أدت إلى استقرار التضخم، حيث نما مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 7.7% فى أكتوبر و7.1% فى نوفمبر، وكان الأخير هو أصغر زيادة على أساس سنوى منذ ديسمبر 2021، وفق مكتب إحصاءات العمل.
ومع ذلك، كان للزيادات المتكررة فى الأسعار آثار غير مباشرة أضرت بأجزاء من الاقتصاد التى تشترى السلع الصينية.
وارتفعت معدلات الرهون العقارية ذات السعر الثابت لمدة 30 عاماً فى الولايات المتحدة إلى ما يزيد عن 7% فى أواخر أكتوبر، ارتفاعاً من 3.14% قبل عام، بحسب شركة “فريدى ماك”.
وفى الوقت نفسه، تراكمت البضائع غير المباعة فى العديد من الشركات الأمريكية مع تباطؤ المبيعات، فقد نمت مستويات مخزون “وول مارت” فى الولايات المتحدة بنسبة 26% على أساس سنوى فى نهاية الربع الثانى من العام.
وفيما يعد هذا الرقم أقل من رقم الربع السابق، قال المدير المالى جون رينى خلال مكالمة أرباح فى 16 أغسطس إن الشركة “ألغت طلبات بمليارات الدولارات للمساعدة فى موائمة مستويات المخزون”.
وأدى انخفاض الطلب إلى انخفاض تكلفة شحن البضائع من الصين إلى الولايات المتحدة، حيث انخفضت أسعار الشحن من شنغهاى إلى لوس أنجلوس إلى 2262 دولار لكل حاوية 40 قدماً اعتباراً من 10 نوفمبر، مقارنة بـ9947 دولارا فى نفس الفترة من العام الماضى.
كذلك، تراجعت الصادرات السنوية إلى الاتحاد الأوروبى بنسبة 9% فى أكتوبر و10.6% فى نوفمبر، وفق أحدث بيانات جمركية.
وجاء تضخم أسعار المستهلك الرئيسى فى منطقة اليورو عند 10.6% فى أكتوبر، ارتفاعاً من 9.9% فى سبتمبر مدفوعا بشكل رئيسى بأسعار الطاقة، وفق مكتب الإحصاء فى الاتحاد الأوروبى.
هذا الأمر دفع البنك المركزى الأوروبى إلى رفع أسعار الفائدة أربع مرات حتى الآن هذا العام، كما أشار البنك إلى ضغوط من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء واختناقات العرض وانتعاش الطلب بعد الوباء.
وبعد ثلاثة مكاسب شهرية متتالية، تباطأ النمو السنوى للصادرات إلى الآسيان إلى 25.1% فى أغسطس من 33.5% فى يوليو قبل أن يرتفع إلى 29.5% فى سبتمبر ثم ينخفض إلى 20.3% فى أكتوبر، ثم تباطأ بحدة إلى 5.2% فى نوفمبر.
وفى سبتمبر، تفوقت الكتلة المكونة من 10 أعضاء على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لتصبح أكبر مستورد للبضائع الصينية فى العالم.
ومع ذلك، فإن العلاقات التجارية القوية بين الطرفين لم تكن كافية لمواجهة الضغط الهبوطى الناجم عن الركود المستمر فى الطلب العالمى، كما أن العديد من السلع المصدرة من الصين إلى الآسيان منتجات وسيطة يعاد معالجتها فى العادة ثم شحنها إلى مكان آخر.