سياسة إعادة فتح البلاد تعزز النمو العالمى.. لكن ليس بشكل مناسب
أثناء عطلة العام القمرى الجديد فى الصين، التى امتدت من 21 إلى 27 يناير، توافد السياح على ضريح تايهو فى مقاطعة خنان ـ يُعتقد أنه يضم ضريح الشخصية الأسطورية «فوكسى» وهو من أوائل أسلاف الصينيين ـ واستمتع كثيرون بصفع تمثال تشين هوى.
وقد ازدادت المشاعر بشكل خاص بعد ظهور «شرير تشين» فى الفيلم الجديد «النهر الأحمر الكامل» (Full River Red) الذى تصدر قوائم شباك التذاكر خلال العطلة.
يُعد هذا النشاط الحماسى فى مشاهدة الأفلام والمعالم السياحية، دليلاً على انتعاش سريع مفاجئ للمستهلكين فى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، إذ استقبل ضريح تايهو 300 ألف زائر فى فترة الأعياد، وهو أكبر عدد خلال ثلاثة أعوام.
لم تكن إيرادات شباك التذاكر هذا العام أفضل من العام الماضى فحسب، بل كانت أيضاً أعلى مما كانت عليه فى العام السابق لفيروس كورونا.
ذكرت مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية، أن التعافى يصل فى وقت أبكر مما كان متوقعاً؛ لأن الفيروس انتشر بشكل أسرع.
منذ أن تخلت الصين على عجل عن سياساتها «صفر كوفيد»، يبدو أن العدوى مرت سريعاً بشكل ملحوظ، إذ يقدر علماء الأوبئة فى البلاد أن 80% على الأقل من السكان قد أصيبوا بالفعل بالوباء.
كما تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المرضى بالمستشفى بلغ ذروته فى الخامس من يناير، ومن المتوقع حدوث موجة ثانية من الإصابات، بعد أن أدى السفر فى العطلات إلى انتشار المرض من المدن إلى القرى.
لكن يبدو أن الموجة الثانية المرهوبة اندمجت مع الموجة الأولى، حسبما أشارت «إيرفينيتى»، وهى شركة بيانات متخصصة فى علوم الحياة.
ورغم أن عدد الوفيات الناتجة لم يكن معروفاً بشكل فعلى، فإنَّ العواقب الاقتصادية أصبحت أكثر وضوحاً، حيث عاد اقتصاد الخدمات فى الصين إلى الحياة بعد أن أصيب الناس بالفيروس وتعافوا منه.
قفز مؤشر النشاط خارج قطاع التصنيع، بناءً على استطلاعات شهرية لمديرى المشتريات، من 41.6 فى ديسمبر إلى 54.4 فى يناير، وهى ثانى أكبر قفزة على الإطلاق.
لاحظ الاقتصاديان فى «بنك أوف أمريكا»، شايوكينج باى ووهيلين كياو، أن النشاط فى قطاعات الخدمات «المتضررة من الوباء»، مثل البيع بالتجزئة والإقامة وتناول الطعام، ارتفع بشكل حاد.
يذكر أيضاً أن الودائع المصرفية للأسر تجاوزت الآن حاجز الـ120 تريليون يوان «أى ما يعادل 18 تريليون دولار»، وأكثر من 100% من الناتج المحلى الإجمالى للعام الماضي، و13 تريليون يوان أكثر مما كان متوقعاً؛ نظراً إلى اتجاهات ما قبل الوباء، وفق «سيتى جروب»، وهذه الودائع يمكن أن تعد دفعة لنوبة من «الإنفاق الانتقامى».
مع ذلك، يمكن وضع هذه الدفعة جانباً لأغراض أخرى؛ حيث يتواجد كثير من الأموال النقدية، التى تحتفظ بها الأسر فى البنك بدلاً من استخدامها لشراء العقارات أو الاستثمار، فى صندوق مشترك.
ومن غير المرجح الآن الإسراف فى شراء السلع والخدمات، بل على الأرجح سيتعلق الأمر بنوبة من «المخاطرة الانتقامية»؛ حيث تكتسب الأسر الثقة فى شراء السندات والأسهم الأقل أماناً لكن ربما تكون الفكرة مجزية أكثر من الودائع المصرفية، وهذا سيؤدى إلى رفع أسعار الأصول وإعطاء دفعة تشتد الحاجة إليها لسوق الإسكان.
ربما تكون الطريقة الأكثر دقة لتقييم طفرة الإنفاق القادمة هى النظر إلى الفجوة بين دخل الأسرة والإنفاق الاستهلاكى، فقد وفرت الأسر 30% من دخلها المتاح فى الأعوام الثلاثة السابقة للوباء، لتصبح النتيجة التراكمية لهذا التوفير الإضافى 4.9 تريليون يوان.
إذا أضاف المستهلكون هذه القيمة إلى إنفاقهم هذا العام فإنه سيزيد استهلاكهم بنسبة 14%، وذلك قبل تعديل التضخم.
لا شك أن الحجم الدقيق للاندفاع فى النهاية سيعتمد على الظروف الاقتصادية الأوسع نطاقاً، فقد انخفضت أسعار العقارات كما أن سوق العمل يعد ضعيفاً ولا تزال بطالة الشباب أعلى من 16%، لكن سوق العمل بالصين انتعش مرة أخرى بسرعة بعد النكسات الوبائية السابقة، وأصبحت نسبة الشباب العاطلين عن العمل تقدر بنحو 1% فقط من القوة العاملة فى المناطق الحضرية.
ومع توافر قليل من الحظ، سيؤدى القليل من الإنفاق الإضافى إلى زيادة المبيعات وتوظيف أقوى، ما يؤدى بدوره إلى تحفيز الإنفاق الإضافي، وهذا كله يعنى أن الاستهلاك قد يمثل نصيب الأسد من نمو الصين هذا العام، أى ما يقرب من 80%، بحسب «سيتى جروب»، إذا تم تضمين الإنفاق الحكومى، وهذه النسبة ستكون أعلى حصة منذ أكثر من عقدين.
لا شك، أيضاً، أن نمو الصين سيسهم بشكل مرحب به فى النمو العالمي، إذ تشير أحدث توقعات صندوق النقد الدولى إلى نمو اقتصاد البلاد بنسبة 5.2% هذا العام، وهو ما يمثل خمسى التوسع فى الاقتصاد العالمى، كما ستسهم أمريكا ومنطقة اليورو معاً بأقل من الخمس.
بعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، ساعد الاقتصاد الصينى على استقرار المنطقة، بينما ساعد النمو الصينى على استقرار العالم بعد الأزمة المالية العالمية، كما أنه سيقدم خلال العام الحالى أكبر مساهمة فردية فى النمو العالمى.
لكن بينما كانت مساهمة الصين فى الماضى تأتى من الإنفاق الاستثمارى، فإنَّ الاستهلاك الآن هو الذى سيأخذ الصدارة.