الاعتماد على العملة الصينية يجلب مخاطر وتعقيدات جديدة
واجهت روسيا، موجة هائلة من العقوبات المفروضة من قبل الدول الأكثر تقدمًا في العالم، ردا على غزوها أوكرانيا، إذ مُنعت موسكو من الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية والبنية التحتية المالية وتعطلت علاقاتها التجارية الخارجية بشدة، خصوصا أن الدول التي فرضت عليها عقوبات كانت تستحوذ سابقاً على نحو نصف صادرات وواردات روسيا.
كان قطع وصول روسيا إلى الدولارات واليورو، وتجميد نحو نصف احتياطياتها الأجنبية البالغة 640 مليار دولار يشكل ضربة مدمرة بشكل خاص، إذ أصبح الدولار واليورو بين عشية وضحاها تقريبًا سامين للروس، سواء كانوا من الحكومة أو المؤسسات المالية أو الشركات أو الأسر.
لقد أثبت التحول المفاجئ بعيداً عن العملات الأجنبية بالعالم أنه يمثل تحدياً، رغم أن الحكومة والبنك المركزي الروسي شجعا إزالة الدولرة منذ فترة طويلة .
حتى الآن، أثبت اليوان الصيني أنه العملة الاحتياطية البديلة الأكثر جدوى بالنسبة لموسكو، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين وموقف الصين المحايد تجاه حرب أوكرانيا.
في 30 ديسمبر، قالت وزارة المالية الروسية إن صندوق الثروة الوطني الروسي لن يحتفظ بأصول مقومة بالدولار بعد الآن، بينما سيتيح ارتفاع حيازاته باليوان إلى 60% من إجمالي الأصول بعد أن كانت 30%، علماً بأن الصندوق كان يمتلك أصولاً بقيمة 310 مليارات يوان “أي 45.5 مليار دولار” وقت هذا الإعلان.
ومع ذلك، فإن هذا النوع من التحول الجذري في وضع العملة الروسية يشكل مخاطر كبيرة، ولن يضفي استقراراً مالياً في البلاد.
ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية أن تحويل الأصول الاحتياطية إلى اليوان لن يقضي على المخاطر الجيوسياسية، إذ يمكن أن يحدث تحول مفاجئ في موقف الصين، على الأقل من الناحية النظرية.
يذكر أيضاً أن الادخار باليوان ينطوي على مخاطر ضخمة تتعلق بالتحويل، حيث تمنع عقوبات مجموعة السبع، روسيا من تحويل اليوان إلى عملات صعبة في الأسواق الخارجية.
الانكشاف الكبير أيضاً على اليوان يزيد من مخاطر العدوى المالية إذا تدهور وضع الاقتصاد الكلي في الصين، كما أن قيمة مدخرات الحكومة الروسية ستتعرض لتدخلات من قبل بنك الشعب الصيني في ظل إدارته النشطة للعملة الصينية.
فيما يتعلق بالتجارة، تسعى روسيا إلى إبرام صفقات باستخدام الروبل أو عملات شركائها التجاريين، مثل اليوان الصيني والروبية الهندية، بدلاً من الدولار .. لكن بعض الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي رفضت استخدام الروبل في مدفوعات الطاقة الروسية.
عائدات التصدير المقومة باليوان مثلت 14% من إجمالي عائدات التصدير اعتباراً من سبتمبر، ارتفاعاً من 0.4% فقط في بداية 2022، طبقاً لبيانات البنك المركزي الروسي.
الصين ستظل على الأرجح بالفعل أكبر شريك تجاري بالنسبة لروسيا في المستقبل المنظور، إذ ارتفعت التجارة الثنائية بنسبة 30% العام الماضي إلى 190 مليار دولار.
وبالتالي، مثلت التبادلات بين اليوان والروبل، حوالي نصف جميع صفقات الصرف الأجنبي الفورية في بورصة موسكو في نهاية 2022، ارتفاعاً من مستوى قريب من الصفر في البداية.
أوضحت المجلة أن ارتفاع الواردات بنسبة 13% في 2022 أسهم في تحفيز الطلب على اليوان، بجانب زيادة الاهتمام بين الشركات الروسية بإصدار ديون مقومة باليوان، حيث ساعدت إيصالات التصدير المقومة باليوان على تعزيز الإمدادات من العملة الصينية.
يذكر أن البنك المركزي الروسي يدعم بنشاط تطوير بنية تحتية مالية جديدة لتسهيل هذا التحول في العملة، لكن لا تزال هناك عقبات كبيرة.
فعلى سبيل المثال، تتبع المؤسسات المالية الصينية نهجاً حذراً في التعامل مع نظيراتها الروسية خوفاً من خطر الوقوع في فخ عقوبات مجموعة السبع، وهذا يمنع توحيد المعاملات ويزيد التكاليف ويطيل أوقات المعاملات لحاملي اليوان في روسيا.
كما أن الاستخدام الواسع لليوان في العقود التجارية يعوقه استمرار انخفاض السيولة باليوان في السوق المحلية الروسية والتقلبات العالية في سعر صرف اليوان مقابل الروبل، والتي قد تتأثر بشدة بالمعاملات الفردية الكبيرة، بجانب تسبب الاختلالات المؤقتة بين العرض والطلب في تقلبات عالية في أسعار سوق المال.
حتى الآن، لا تزال أحجام التداول الفوري لليوان متخلفة عن الدولار في بورصة موسكو.
لمعالجة هذه المشكلات، أطلق البنك المركزي الروسي الشهر الماضي تسهيلات دائمة جديدة لتقديم مقايضات صرف العملات الأجنبية باليوان بحد أقصى يومي يبلغ 10 مليارات يوان، وقد يضبط هذا الحد إذا لزم الأمر.
من المتوقع أن تظل روسيا معزولة عن النظام المالي العالمي في المستقبل المنظور، كما أن إنشاء البنية التحتية المالية اللازمة لتسهيل استخدام اليوان بشكل أكبر في الاقتصاد المحلي وفي التدفقات التجارية الثنائية سيستغرق وقتاً، وستظل المؤسسات المالية الصينية على الأرجح مترددة في دعمها لتقليل مخاطر العقوبات.
في غضون ذلك، فإن الاستخدام المتزايد لليوان سيؤدي لاختلالات بالقطاع المصرفي الروسي وتقلبات في قيمة المدخرات الحكومية. كما أن الاعتماد المفرط على اليوان والصين كشريك تجاري يثير مخاطر الصدمات الخارجية المستقبلية للاقتصاد الروسي.
