لم يتصرف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، على نحو متشدد كما يوحي خطاب رئيس مجلس الإدارة جيروم باول وغيره.
لا شك أن الظروف المالية في الولايات المتحدة أصبحت الآن أسهل مما كانت عليه قبل عطلة عيد الشكر في نوفمبر، كما انخفضت العائدات وتحسنت السيولة وانتعشت أسواق الأسهم.
كانت ثمة أسابيع، علق فيها الاحتياطي الفيدرالي، التشديد الكمي وضخ النقود أو حتى استخدم لغة بدا أنها تشجع الأسواق.
كما أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، لا يبدو وكأنها تعتقد أن التهديد الأساسي للتضخم الأمريكي قد انحسر حتى الآن .. لكن لا يبدو أنها ملتزمة بمحاربة الأسواق التي تبدو مصممة على فرض شروط نقدية أسهل.
ما الذي يمكن أن يفسر هذا التناقض؟
ربما يكون ذلك بسبب مخاوف الاحتياطي الفيدرالي مما لا يمكنه رؤيته، وقد يكون مصدر هذا الخوف في آسيا.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن التغييرات في التنظيم المصرفي والظروف النقدية السهلة، أدت إلى دفع المخاطر إلى أجزاء أقل تنظيماً وأكثر غموضاً من النظام المالي العالمي، وكانت آسيا مركزية في هذا التحول.
ورغم الحديث عن زوال الدولار وزيادة المدخرات في آسيا، لا يزال النظام المالي في المنطقة مدمناً على الائتمان بالدولار.
عادةً ما تجري معظم الاقتراضات في كوريا الجنوبية والهند والفلبين وتايلاند بالعملات الأجنبية، بحسب إحصاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لكن قد تكمن المخاطر الأكبر في الأجزاء المظلمة من النظام المالي في المنطقة.
هناك علم بأن العديد من البنوك في المنطقة اقترضت مبالغ ضخمة من خلال أسواق الصرف الأجنبي الغامضة، لكن قلة من الناس، حتى على المستوى الحكومي، يدركون حقًا مقدار التريليونات المنخرطة في الأمر.
سلط بنك التسويات الدولية الضوء، في تقرير حديث، على مسألة مزعجة متمثلة في ما تصل قيمته إلى 23 تريليون دولار من الديون المقومة بالعملات الأجنبية غير المسجلة حول العالم، وهو رقم يعادل 30% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
بالنسبة لكثيرين ، قد تبدو أسواق الديون ذات الضمانات الكبيرة والمباشرة آمنة، لكن الأزمة المالية العالمية لعام 2008 أثبتت مدى الاعتماد عليها، ومدى ضآلة معرفة المنظمين بها، ومدى هشاشتها.
بشكل حاسم، عادة ما تكون هذه الأسواق قد أساءت التصرف إما عندما يكون هناك ارتفاع في مخاطر الطرف المقابل، كما هو الحال عندما كانت ملاءة العديد من البنوك موضع تساؤل خلال 2008، أو عندما كان هناك نقص في السيولة في النظام.
تصادم إصدار سندات الخزانة الأمريكية مع تقويم إعادة التمويل المزدحم في سبتمبر 2019، مما ترك النظام يعاني من نقص السيولة.
وفي عام 2018، كانت التغييرات الضريبية والتحركات نحو سياسة نقدية أكثر صرامة وإصدار السندات من الأسباب الجذرية لنقص السيولة.
في عام 2023، بمجرد حل مشاكل سقف ديون الحكومة الأمريكية المفترض، ستواجه البلاد فترة من الاندفاع الشديد نحو إصدار الديون للمستثمرين غير المصرفيين.
وفي أوروبا، سيحقق المبلغ المتوقع للاقتراض من قبل الحكومات من مصادر أخرى غير البنك المركزي الأوروبي رقمًا قياسيًا جديدًا.
تشير التقديرات إلى أن صافي إصدار الديون في منطقة اليورو سيصل إلى أكثر من 8% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، كما ستحتاج أوروبا أيضًا إلى إعادة تمويل الديون المستحقة السداد بما يزيد عن 15% من الناتج المحلي الإجمالي للكتلة.
من السهل تصور الوضع خلال العام الجاري حيث يؤدي إصدارات الدين والتضييق النقدي إلى استنزاف سيولة العملة الصعبة مرة أخرى، وهذا قد يؤدي إلى ترك أسواق الائتمان قصيرة الأجل تكافح من أجل العمل بشكل طبيعي.
أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه يريد كبح معدلات التضخم المرتفعة وأن الركود المعتدل سيكون ثمنًا يستحق الدفع لتحقيق هذا الهدف، لكننا نتساءل عما إذا كان سينظر إلى أزمة مالية أخرى على أنها تكلفة مقبولة.
تشير التدابير التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي خلال الأسابيع الأخيرة إلى شعوره بالقلق بالفعل من إزعاج أسواق التمويل في العالم.
إذا ظهرت المشاكل، فإن السؤال المقلق بالنسبة لآسيا هو أي الاقتصادات سينظر بنك الاحتياطي الفيدرالي في إنقاذها.
يذكر أن بعض الدول، منها اليابان وكوريا الجنوبية، لديها بالفعل تسهيلات اقتراض بالدولار احتياطياً مع الاحتياطي الفيدرالي، لكن الصين وهونج كونج لا تفعل ذلك، بالتالي سيتعين عليها الاعتماد على الاحتياطيات لتمويل أي نقص في السيولة بالدولار يواجهه المقترضون المحليون.
تُظهر أحدث البيانات ، أن الولايات المتحدة لا تزال تواجه مشكلات مع التضخم، مما يعني أن تأخير الإجراءات قد يصبح من الصعب بشكل متزايد تبريرها على النطاق المحلي، وقد ينتهي الأمر بدفع آسيا الثمن.