
فى كل المجتمعات تقريبًا، تعد واحدة من الامتيازات الكبيرة التى تأتى مع الثروة فى أنه كلما زاد ثراؤك، قل عملك.
لكن مع التطور الغريب لحالة التفرد الأمريكية، فإن علامة فارقة فى حياة الشركات الأمريكية ليس فقط هوس الأمريكين بالعمل لكن أيضًا تقديسهم له.
وكلما زاد منصبك، زادت عدد الساعات التى من المتوقع أن تكرسها عن طيب خاطر وزادت أيضا العلاوة التى ستحصل عليها.
الرجال هم من يميلون إلى أن ينتهى بهم الأمر فى نهاية المطاف إلى قمة الوظائف الأكثر طلبًا وأيضًا ربحًا كالاستشارات والتمويل والقانون وهى ما تطلق عليه كلوديا جولدين الأستاذة الجامعية لجامعة هارفارد “العمل الجشع”.
تُستبعد النساء بسبب كل الأسباب المعتادة والمنحازة ضد النساء، وبسبب أيضًا أن المعادلة لا تنطبق على اللاتى لديهن أطفال، فليس لديهن الوقت الكافى فى يومهن لتخصيصه إلى هذا النوع من الوظائف. عوضًا عن ذلك، تخصص هذه الساعات بطبيعة الحال لرعاية الطفل.
لكن ما النتيجة؟ يربح الرجال ذو الدخل المرتفع أكثر بكثير من النساء ذوات الدخل المرتفع.
لكن هناك دليل أن ربما تكون جائحة كورونا هى بداية تعطيل إدمان الشركات الأمريكية على العمل. فى الفترة بين عامى 2019 و2022، قلل الرجال ذوى الدخل المرتفع والذين كانوا يعملون على مدار الساعة من العمل أكثر من أى مجموعة أخرى. وفقًا لورقة عمل نشرها المكتب الوطنى للبحوث الاقتصادية، اتضح أن هذه المجموعة من الرجال عملوا 77 ساعة أقل فى عام 2022 مقارنة بـ2019.
وفى الوقت نفسه، قللت النساء ذوات أعلى أجور من العمل لكن ليس بقدر نظرائهن من الرجال، حيث عملوا 30 ساعة أقل فى عام 2022 مقارنة ب2019، أو حوالى نصف ساعة أسبوعيا.
ونتمنى فى سيناريو الأحلام هنا، على الأقل سد الفجوة بين الجنسين بحيث يحول الرجال كل تلك الساعات إلى رعاية الأطفال أو الأعمال المنزلية الأخرى، وبذلك يخففون العبء عن النساء اللاتى يستطيعون فيما بعد أن يزيدوا من ساعات عملهن وبالتالى اللحاق بهم.
وهذا ليس بالضبط ما يبدو أنه حدث. ولقد وجهنى يونجسوك شين أستاذ الاقتصاد بجامعة واشنطن فى سانت لويس وأحد مؤلفى ورقة المكتب الوطنى للبحوث الاقتصادية إلى استطلاع عن استخدام الأمريكيين للوقت فى مكتب إحصاءات العمل الأمريكى لتكوين فكرة عما يفعله الرجال فى تلك الساعات.
لم تصدر نتائج عام 2022 بعد، لكنه أشار إلى أن بيانات عام 2021 أظهرت أن الرجال المتزوجين يقضون وقتا أكثر فى الأنشطة الترفيهية، وهناك دليل إضافى إذ وجدت دراسة حديثة تابعة لجامعة ستانفورد أن لاعبى الجولف كانوا يطيحون بالكرة 143% أكثر فى أيام الأربعاء فى عام 2022 مقارنة بعام 2019.
حتى لو كانت هذه المجموعة من الرجال عالية القوة وذات الأجور العالية لا تكرس كل هذه الساعات الجديدة لرعاية الأطفال، ما زالت فكرة تقليلهم لساعات العمل على الإطلاق أمرا جيدا للنساء. إنه يساعد فى إعادة تعريف وإعادة ضبط التوقعات حول الشكل الذى يجب أن يبدو عليه الموظف المثالى.
إذا لم تعد الساعات غير المقبولة مضمنة ضمنيًا فى الوصف الوظيفي، قد يتم اختيار النساء لتولى الوظائف الأكثر طلبًا والأكثر ربحًا.
أخبرنى شين: “قد تكون الأرقام ليس بهذا الكبر، لكنها بداية نقلة ثقافية كبيرة”.
أنت تحتاج فقط إلى النظر إلى بلدان أخرى لمعرفة مقدار المساحة المتاحة للعمل الزائد لتقليلها فى الشركات الأمريكية.
وفقا لتقديرات ورقة المكتب الوطنى للبحوث الاقتصادية، فإن متوسط ساعات العمل للعامل الأمريكى 1791 ساعة فى 2021. مقارنة بـ 1685 ساعة فى كندا و 1607 ساعة فى اليابان و 1497 ساعة فى المملكة المتحدة و 1490 ساعة فى فرنسا و 1349 ساعة فى ألمانيا. “الولايات المتحدة غريبة للغاية” هذا ما جاء على لسان جوان ويليامز، المديرة المؤسسة لـ “مركز وورك لايف لو” فى كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو.
لقد حصل العاملون المدمنون للعمل على رواتب أكثر فأكثر بمرور الوقت أيضا، لدرجة أن الباحثين وجدوا أن العمل الزائد أدى إلى تفاقم فجوة الأجور بين الجنسين بنسبة 10%، مما أدى فعليًا إلى القضاء على أى مكاسب جاءت من زيادة النساء فى التعليم. بعد ثلاثة عقود، ربما يكون فيروس كورونا قد تسبب فى الصدمة اللازمة لدفع هذا الاتجاه إلى الاتجاه المعاكس.
بقلم: بث كويت، كاتبة مقالات رأي في بلومبرج
المصدر: بلومبرج
إعداد: وعد محمد