قطاع الخدمات سيزدهر مع ارتفاع استهلاك الطبقة الوسطى
بالتزامن مع مغازلة الاقتصاد العالمى للركود المحتمل، التغير فى شكل الاقتصاد الآسيوى، يعطى مجال لازدهار النمو بشكل طبيعى على المدى الطويل مدعومًا باتساع قاعدة المستهلكين والفرص فى صناعة الخدمات، حسب ما نقلته مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
وفى أحدث توقعاته لعام 2023، رفع صندوق النقد الدولى تقديراته للنمو فى الأسواق الآسيوية المتقدمة والناشئة إلى 5.3% مقابل 4.9% وهو أكثر من ثلاثة أضعاف المتوقع للتوسع فى أمريكا وسبعة أضعاف النمو فى منطقة اليورو.
التقديرات الأخرى تتباين لكن بشكل واسع النطاق الجميع والذي يتفق أن النمو مكمنه آسيا، وذلك التفاؤل الكبير مستند إلى نهجين طويلين الأجل، الأول هو أن أعواماً من السياسة المالية الحقيقة منذ الأزمة المالية الآسيوية فى أواخر 1990 مكنت المنطقة من الخروج من جائحة كورونا بأقل ندوب.
فيما كان الاتجاه الثانى، هو أن العلاقات البينية للبلدان الآسيوية تشهد تحولا كبيرا يجعلها أقل اعتمادًا من ذى قبل على جودة الاقتصادات الغربية، وكان جزء من عوامل تحسين إدارة الاقتصاد هو التعامل مع نقاط الضعف المحتملة عبر تقوية احتياطى النقد الأجنبى، والتحكم فى التضخم والتأكد أن الاقتصادات فى المنطقة لا تتعثر حينما تواجه رياح معاكسة من سعر الصرف والفائدة.
والأقل ملاحظة ولكن ليس الأقل فى الأهمية، هو عمل مؤسسات مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا واحتضانها اتفاقيات مثل التعاون الاقتصادى الشامل والتعاون الشامل والمستمر من أجل شراكة عبر المحيط الهادى، والتى ساعدت على استكشاف فرص النمو طويلة الأجل للمنطقة عبر إزالة القيود التجارية وجعل المنطقة أكثر جاذبية للاستثمار، كما ساعدوا أيضًا على تضخيم وتأكيد التحول العميق فى الاقتصادات الإقليمية.
ولسنوات، استفادت الكثير من الاقتصادات النامية فى شرق وجنوب شرق آسيا من تكلفة العمالة المنخفضة، فى التحول إلى اقتصاد يقوده التصدير، على وجه الخصوص، الصين والاقتصادات التى يطلق عليها “النمور الآسيوية” كانت الأكثر استفادة.
وأدى ذلك إلى انطلاق واحدة من أسرع وأعمق التحولات الاقتصادية فى التاريخ، إذ نما نصيب الفرد من الناتج المحلى فى شرق آسيا والمحيط الهادى من 3250 دولارا فى 1990 إلى 20.3 ألف دولار فى 2021، فيما نمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 34 مليار دولار إلى 741 مليار دولار.
مئات الملايين من البشر حصلوا على فرص للخروج من دائرة الفقر، خلال فترة قصيرة نسبيًا من الوقت، مع حصولهم على دخول جيدة وترقيهم فى الطبقة الاستهلاكية.
ويقدر معهد “بروكنج” للأبحاث الأمريكى أن عدد المستهلكين فى آسيا سينمو من 560 ألف فى 2000 إلى ما يزيد على 3 مليارات فى 2030، أو ما يعادل 70% من السكان، فيما تقدر شركة الاستشارات القانونية “ماكينزى أند كو” أن آسيا تستحوذ على نصف استهلاك العالم فى ذلك الحين.
كما يتركز الاستهلاك الجديد للمستهلكين على السلع الآسيوية، وفق ما تكشفه أرقام التجارة البينية للدول، التى شهدت نمواً نسبته 50% خلال الفترة بين عامي 2019 و2022، بحسب بيانات شركة الشحن العالمية “ميرسك”.
المستثمرين تنبهوا لذلك، فبدلاً من ضخ الأموال للتصنيع فى آسيا بغرض التصدير بات الاستثمار يتزايد بهدف زيادة الإنتاج الموجه للاستهلاك فى آسيا.
هنا تكمن الفرص للشركات الغربية، إذ أن شريحة واسعة من الصناعات، من بينها صناعة السيارات والآلات وتجار السلع الفاخرة، يعتمدون على آسيا فى السواد الأعظم من أنشطتهم الجديدة، وتواصل تلك القطاعات الازدهار مع استمرار ميزتهم التنافسية.
وتكمن أكثر آفاق النمو إثار فى صناعة الخدمات المهنية، خاصة تلك التى لديها استراتيجية عالمية رقمية ومطورة بشكل جيد يمكنها من الاستفادة من النمو فى مجتمع آسيا الرقمى.وقادرة على الاستفادة من النمو الهائل في مجتمع الإنترنت في آسيا.
وتقدر أحدث أرقام الأمم المتحدة أن واردات آسيا من الخدمات التجارية زادت 9.2% خلال العام الماضى وستزيد 5% خلال العام الحالى، وبداية من الخدمات التى سيحصل عليها القابعين فى الطبقة المتوسطة حول العالم مثل التعليم والترفيه والسفر إلى الخدمات المهنية مثل المحاسبة والقانون والعمارة، ستقود الخدمات الجولة المقبلة من النمو.
هناك العديد من الفرص فى مجال الخدمات الرقمية على وجه الخصوص، جزء منها خاص بإدارة ثروات المستهلكين الجدد فى آسيا، فبحسب تقرير “بوسطن” للاستشارات العام الماضى، فإن آسيا ستولد ثروات قدرها 22 تريليون دولار خلال الفترة بين 2020 و2025، لكن ذلك يشمل تمويل التحسن فى نمط الحياة ويدفع النمو فى آسيا وشركائها التجاريين من خلال تسهيل التجارة وتوسيع الوصول إلى المنتجات المالية التي يمكن أن تمول التوسع وإدارة المخاطر.
لا شك أن صعود الاستهلاك الآسيوي يؤدي إلى قلب ميزان النفوذ الاقتصادي باتجاه الشرق بلا هوادة.
لم تصبح المنطقة أقل عرضة للصدمات الاقتصادية الخارجية فحسب، بل اقتربت أيضًا من النقطة التي يحتاج فيها العالم إلى اقتصاد آسيا لينمو بقدر ما تحتاج آسيا إلى الاقتصاد العالمي.
لقد كان نجاح آسيا معتمدًا على تقديم الإمدادات للعالم، لكن المستقبل يكمن فى الطلب الآسيوى.