تمتلك شركة “أبل” قدرة معتبرة على الوصول للأسواق العالمية وتحظى بثقة العملاء بأكثر مما تتمتع به معظم البنوك، وهى واحدة من العجائب، لكن ماذا بعد؟ هل يحولها ذلك ببطء لكن بثقة إلى مؤسسة مالية؟.
وحتى قبل إطلاقها بشكل مشترك لحسابات توفير مع “جولدمان ساكس”، كانت تمتلك الشركة بطاقتها الائتمانية والقدرة على إقراض الأقران، وتطبيق محفظة ذكية، وخدمة “اشترى الآن وادفع لاحقًا”، التى تتيح للعملاء استخدام محافظهم الرقمية للشراء بدون فوائد على أقساط.
وفى غضون ذلك، أعلنت البنوك الأسبوع الماضى خسارة 60 مليار دولار من ودائعهم خلال الربع الأول من العام الحالى، بالتزامن تقريبًا مع إعلان “أبل” عن حساب التوفير الجديد.
المرء بإمكانه أن يجادل أن الزواج بين عملاق التكنولوجيا وبنك كبير هو أمر جيد للمنافسة، لكن “أبل” تبدو جيدة كفاية لحل بعض المشكلات التى أعاقت البنوك التقليدية لأعوام، فعلى سبيل المثال، برامج “اشترى الآن وادفع لاحقًا”، الشركة تمول بشكل كبير القروض من ميزانيتها الخاصة، التى تحتفظ فيها بأرصدة نقدية وأوراق مالية متداولة بقيمة 165 مليار دولار مع إجمالى ديون بقيمة 111 مليار دولار.
هذه النسبة تتباين مع معظم البنوك التى تقوم بـ90% أو أكثر من أنشطتها اليومية من خلال الأموال المُقترضة، ومعظم تلك الأموال ودائع وقروض قصيرة الأجل يمكن سحبها بسرعة تمامًا كما حدث فى أزمة “سيليكون فالى بنك”، والتى شهدت محاولة المستثمرين لسحب 42 مليار دولار من البنك المتعثر فى يوم واحد.
وكونها تتمتع بسيولة مرتفعة، فإن “أبل” نظريًا، تجاوزت مشكلة تواجه أزمة الصناعة المالية، عبر استخدام الكثير من أموالها الخاصة فى التمويل، كما أن “أبل” أقل هشاشة بكثير من البنوك التقليدية.
أستاذة الاقتصاد فى جامعة ستانفورد، آنات أدماتى، دعت طويلاً لزيادة حقوق الملكية للبنوك قائلة: “الرؤساء التنفيذيون للبنوك غالبًا ما ينسون أن المودعون، مقرضون لهم، لأنهم لا يتصرفون عادة كما يتعامل الديانة، إذ يثقون فى التأمين على الودائع وربما قدرة الجهات الرقابية على التأكد من استعادة أموالهم”.
جهات التمويل غير المصرفية لا يمكن أن يخطر ببالها أو تكون قادرة على تمويل نشاطها بهذا الكم من الديون الذى يقابله القليل من حقوق الملكية.
وهناك ميزة أخرى تمتلكها “أبل” لا تمتلكها البنوك التقليدية، وهى علامتها التجارية، فالشركة غالبًا ما تتصدر قائمة أكثر العلامات التجارية شعبية، على النقيض نادرًا ما تجد أحد البنوك فى القائمة ويمكن استثناء “جى بى مورجان” من تلك القاعدة.
وتشير الدراسات إلى أن المواطنين يمسكون بهواتفهم المحمولة أكثر من 2600 مرة يوميًا، وذلك الاتصال الوطيد لا يمكنك الحصول عليه عندما تزور أحد البنوك، إذا وجدت اتصال ملائم أصلاً.
الثقة، أو أحد مفاهيمها على الأقل هو ما استخدمته “أبل” للترويج لنفسها وخلق مكانة مميزة لها عن الشركات الأخرى مثل “جوجل” و”ميتا” اللتان تعتمدان بشكل كبير على الإعلانات الموجهة أو رأسمالية المراقبة، لتكوين ثروتهم.
وفيما مازالت “أبل” تجنى معظم أموالها من مبيعات الأجهزة، لكنها تتوغل بشكل أعمق فى الخدمات الرقمية، ويتعين عليها أن تسير على خط رفيع يفصل بين التوسع فى الربحية وإثارة المخاوف النظامية.
وإذا أردت الحصول على حساب توفير من “أبل” يتعين عليك الحصول على بطاقة ائتمان منها ما يعنى أنك بحاجة إلى جهاز “أيفون”، النظام سهل الاستخدام، فحساب التوفير بلا حد أدنى للودائع أو الأرصدة أو عمولات، وجميع الخدمات تزيد جاذبية الخدمات الأخرى، فى مثال تقليدى لتأثير التشبيك.
لكن ذلك يجعل تخليك عن تلك الشبكة صعبة، فلن تفكر على سبيل المثال فى تغيير هاتفك إلى “أندرويد”، إذ كانت تعاملاتك البنكية مع “أبل”، كما سيكون أقل من المحتمل أن تسعى للحصول على قرض من جهة أخرى.
هذه الأسئلة تقع محل اهتمام الجهات التنظيمية لمكافحة الاحتكار فى لجنة التجارة الفيدرالية، فى أى نقطة يصبح عرض المستهلك المغرى بشكل لا يصدق قضية احتكار؟
“أبل” لا تسعى أن تكون بنك بأى مفهوم رسمى، رغم ما يحمله ذلك من مزايا الحمايا والإنقاذ، وذلك على الأرجح قرار حكيم إذا ما نظرنا إلى تجارب شركات التكنولوجيا الأخرى التى حاولت أن تدخل فى الأنشطة المالية التقليدية، فـ”ميتا” قضت أعوام تحاول بناء عملة مستقرة مدعومة بالدولار، قبل أن تتخلى عن الفكرة فى نهاية المطاف.
لكن حقيقة أن “أبل” شكلها وأفعالها تبدو كبنك، يثير التساؤل بشأن التأثير المزعزع على التكنولوجيا المالية وعمالة التكنولوجيا، فى المجمل يحب مستثمرو “سيليكون فالى”، المشهورة بالشركات الناشئة، والمناورات الرقابية، فهم يتحركون بسرعة ويكسرون القواعد فى أى قطاع يريدون سواء التجزئة أو الرعاية الصحية أو البنوك أو النقل، قبل أن يدرك صُناع السياسات أنهم لا يلعبون بالقواعد نفسها التى يلعب بها المشاركون الأخرون فى الصناعة.
وإذا سرعت شركة “أبل” من هجرة الودائع من البنوك التقليدية بصورة تؤثر على ملائتها المالية ومستويات السيولة لديها، أعتقد أن الجهات التنظيمية سيلقون نظرة فاحصة على نموذج أعمالها.
وسيتعين على الشركة أيضًا توخى الحذر لتجنب تعريض بيانات المستهلك للخطر بطرق تؤدى إلى حدوث مشكلات تتعلق بمكافحة الاحتكار، لكن حتى ذلك الحين، أظن أننا سنرى المزيد من الخدمات المصرفية تتم عبر “آيفون”.
بقلم: رنا فوروهار
كاتبة مقالات رأى لدى “فاينانشيال تايمز”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”