عند مناقشة شؤو الاقتصاد البريطاني، أصبح من السهل بشكل مقلق استخدام عبارة الرهبة “السبعينيات”، حيث تواصل معدلات التضخم الارتفاع، واستمرارية هيمنة الاضطرابات الصناعية على أجندة الأخبار وكل ذلك إضافة إلى الطفرة في أسعار الطاقة وحكومة تبدو وكأنها تتعثر من أزمة إلى أخرى.
أحد الإعلانات التي تمثلت في شكل هولوغرامي وانتشرت عبر شبكات التواصل بث شعوراً بأن المملكة المتحدة قد تراجعت خمسة عقود إلى وقتٍ كان يعد مثالاً على الفشل الاقتصادي.
هذه المقارنة، بالرغم من جاذبيتها الظاهرية، إلا أنها غالباً ما تحمل مبالغات، فمن المؤكد أن بريطانيا تعاني من مشكلة تضخم، الذي ما زال مؤشره الرئيسي فوق 10% في البلاد، مقارنة بـ7.8% في ألمانيا و6.6 % في فرنسا، كما يأبى المؤشر الرئيسي الانخفاض للشهر الثاني على التوالي كما توقع المحللون.
المؤشر الرئيسي للتضخم، فيما عدا المكونات المتقلبة مثل الغذاء وأسعار الطاقة، هو الأكثر إثارة للقلق، حيث يظل أعلى من 6%، وكذلك تضخم أسعار الخدمات، والذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه أفضل مقياس لضغط الأسعار المدفوع المحلياً.
وكل ذلك سيكون كافياً لضمان شعور بنك إنجلترا بالحاجة إلى المضي قدماً في تشديد سياسته النقدية.
لكن القصة تحولت من كونها أحد القصص عن ارتفاع التضخم باستمرار، إلى قصة عن الفشل في خفض التضخم بالسرعة المتوقعة.
هذا الموقف بعيد كل البعد عن الراحة، لكنه على الأقل يظهر بعض التقدم، خاصة أن قلة هم الذين يشككون في أن التضخم الرئيسي يجب أن ينخفض بشكل حاد في الأشهر المقبلة، حيث يبدأ تأثير ارتفاع أسعار الطاقة 2021-22 في التلاشي.
ما سيحدث مع التضخم الرئيسي لا يزال أقل وضوحاً.
كان هناك الكثير من الحديث عن دوامة أسعار الأجور على غرار السبعينيات، وكان الخوف من أن العمال سيرفعون رواتبهم في محاولة لحماية دخولهم ولكن، عند القيام بذلك، يتم إجبار المؤسسات على الانخراط في جولة زيادات أخرى في الأسعار.
لقد ارتفع نمو الأجور السنوي مع تراجع عمليات الإغلاق في 2021، وتكافح الشركات المعاد فتحها لشغل الوظائف الشاغرة.
لكن في الأشهر الأخيرة، مع تباطؤ النمو وانخفاض عدد الوظائف الشاغرة، تباطأ نمو الأجور، والنتيجة أن ضغط الأجور كان قويًا كفاية لإضافة تكاليف الأعمال والتضخم الأساسي، لكن لم يكن قريبًا من القوة الكافية لحماية دخل الأسرة الحقيقي، الذي تعرض لضغط حاد.
تكمن مشكلة قصة السبعينيات السهلة في أن سوق العمل في عشرينيات القرن الحالي لا يماثل سوق العمل في ذلك العقد.
كما أن النقابات العمالية أضعف من حيث الحجم، فحوالي واحد من كل خمسة عمال بريطانيين أعضاء اليوم مقارنة بأكثر من النصف في ذروتها، وقد أنشأت تشريعات الثمانينيات والتسعينيات سوق عمل أكثر ليبرالية، كما أن القوة التفاوضية للعمل أقل هيكليًا مما كانت عليه من قبل.
الحقيقة المحزنة هي أنه لا توجد إجابة بسيطة على سؤال “ما الذي يعاني منه الاقتصاد البريطاني؟”، وبدلاً من ذلك هناك العديد من الأزمات المترابطة تحدث في ذلك الوقت.
إن الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة وجميع الاضطرابات التي أحدثها الوباء هي بالطبع عوامل فورية، وقد تضررت المملكة المتحدة بشدة من كليهما.
وفي أعقاب كوفيد-19، ارتفعت قوائم انتظار هيئة الصحة الوطنية للمواعيد والعمليات الروتينية إلى حوالى سبعة ملايين، بزيادة قدرها 75% عن 2019.
أصبح الأمر يمثل مشكلة اقتصادية كلية، حيث أبلغ 6% من الأشخاص في سن العمل عن أنهم مرضى للغاية لدرجة تمنعهم من العمل.
كما اكتسبت الإضرابات عبر النقل والقطاع العام، ردًا على انخفاض الأجور الحقيقية، أهمية على مستوى الاقتصاد الكلي حيث وصل العدد السنوي لأيام العمل المفقودة إلى أعلى مستوياته منذ التسعينيات.
ثم هناك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي أدى إلى قيام العديد من الشركات بإلغاء أو تأجيل خطط إنفاقها الرأسمالي بعد استفتاء 2016، بينما كانت تننظر وضوحاً بشأن الشكل الذي ستبدو عليه الترتيبيات التجارية الجديدة في بريطانيا، حيث تسبب عدم اليقين هذا إلى نقص في الاستثمار التجاري.
وتمثل الترتيبات التجارية الجديدة نفسها احتكاكات في حدود تجارية خالية من الاحتكاك في السابق، مما يضعف الإنتاجية والنمو الاقتصادي على المدى الطويل ويزيد من ضغوط الأسعار الآن على الهامش.
لكن المشاكل تسبق 2016 أيضاً، فقد كان نمو الإنتاجية، المحرك النهائي للنمو للاقتصادي ومستويات المعيشة، سيئاً منذ 2008.
إنها هذه الأزمة الأساسية التي تركت دخل الأسرة المتوقع الحقيقي ليس أعلى في منتصف 2020 مما كان عليه قبل عقد ونصف.
يحتوى التشبيه بفترة السبعينيات على حقائق مهمة، على أحد المستويات الهامة، ففي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، اضطرت الحكومة إلى التعامل مع الأزمات المتزامنة التي تتطلب استجابات سياساتية مختلفة وغير متوافقة في كثير من الأحيان.
وكانت الحكومات البريطانية في ذلك العقد غارقة ليس فقط في ارتفاع أسعار البترول ودوامة أسعار الأجور، لكن بنصف دزينة من المشاكل الأخرى أيضًا، من انهيار نظام بريتون وودز النقدي إلى ازدهار وانهيار سوق الإسكان.
تخاطر الحكومة الحالية بوضع نفسها في ضغوط مماثلة من خلال إدارة التداعيات الاقتصادية المستمرة للوباء في نفس الوقت مع أزمة أسعار الطاقة، بجانب الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكل ذلك على خلفية 15 عاماً من النمو الاقتصادي الضعيف والتحدي المستقبلي المتمثل في الانتقال إلى الصفر انبعاثات.
شعور السبعينات الحقيقي لصُناع السياسات هو إحساس من إطفاء الحرائق المستمر.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”
بقلم: دنكان ويلدون، صحفي وكاتب مقالات رأي لدى “فاينانشيال تايمز”