لماذا تتردد مصر فى خفض قيمة الجنيه؟


“جولدمان ساكس”: الخفض قد يكون بلا جدوى فى الوقت الراهن لكن تثبيته يغذى السوق السوداء

تتزايد الضغوط على الحكومة والبنك المركزى لتحرير سعر الصرف لحل أزمة نقص العملة الأجنبية التى باتت عبئًا على المالية العامة وبيئة الأعمال على حد سواء، لكن الحكومة تبدو مترددة فى اتخاذ هذه الخطوة حتى بعد خفض الجنيه 3 مرات خلال 10 شهور.

ويضغط صندوق النقد الدولى للعودة لمسار البرنامج الاقتصادى القائم على مرونة سعر الصرف والذى يموله بنحو 3 مليارات دولار حصلت مصر بالفعل على أول دفعة منها فى ديسمبر الماضى وكان المفترض أن تحصل على الثانية فى مارس لكن ذلك لم يحدث.

وخفضت اثنتين من وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث تصنيف مصر درجة واحدة وهما “موديز” و”فيتش”، بينما أقدمت “ستاندرد أند بورز” على خفض نظرتها المستقبلية إلى سلبية.

واستقر الدولار عند 30.93 جنيه فى السوق الرسمية وهو نفس السعر منذ يناير الماضى تقريبا، لكن يتوقع عدد من بنوك الاستثمار العالمية أن يتراجع الجنيه أمام الدولار إلى مستويات ما بين 33 و40 جنيها للدولار، خاصة مع ضغوط صندوق النقد الدولى للتحول بشكل دائم لسعر صرف مرن.

ويبلغ سعر الجنيه فى العقود الآجلة أجل 12 شهرًا نحو 44 جنيها للدولار، بينما تقدر سوق الذهب بمصر سعر الدولار محليًا بنحو 47 جنيها.

وقال بنك الاستثمار الأمريكى جولدمان ساكس، فى تقرير حديث له، إن تردد الحكومة المصرية فى اتخاذ خطوة خفض الجنيه لمستوى يوازن بين العرض والطلب، خلق سوقًا سوداء للعملة رغم أن القانون يجرمها.

وعدد الأسباب التى يرى أنها قد تكون سبب وراء عدم رغبة الحكومة فى التحول لنظام سعر صرف أكثر مرونة وجاء على رأسها أن الجنيه بالفعل مقيم بأقل من قيمته، فبحسب تقديرات البنك فإن التخفيضات المتعددة التى مر بها الجنيه على مدار العام الماضى تركته أقل من قيمته العادلة عل المدى الطويل بنحو 25%، بحسب معيار متوسط سعر الصرف الحقيقى الفعال خلال آخر 10 سنوات.

أوضح أن الحكومة قد ترى أيضًا أن غياب جدوى خفض الجنيه فى حل الاختلالات الخارجية سببًا آخر لعدم فعل شىء فى الوقت الحالى، إذ أن المكاسب القريبة للصادرات من خفض الجنيه محل شك خاصة أن الجنيه بالفعل مقيم بأقل من قيمته، كما أن الواردات على الأرجح ستظل كما هى مع تغير العائق من نقص السيولة بالعملة الأجنبية لارتفاع التكلفة.

أضاف أن خفض الجنيه فقط لن يحسن وضع السيولة الأجنبية، مع انخفاض آفاق تحسن الوصول للأسواق الدولية، واعتماد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على التقدم فى الإصلاحات.

وقال إن الدخول فى حلقة مُفرغة من انخفاض قيمة العملة وارتفاع الضغوط التضخمية، فى حد ذاتها سبب آخر لا تُحبذ لأجله الحكومة خفض الجنيه، حتى إن كان عارضًا.

وأشار إلى أن التوزيع غير المتناسب لأثر خفض الجنيه إذ أنه يرفع تكلفة الواردات كافة، ما يضع ضغوطًا أكثر على الفئات الأضعاف، فى حين أنه من خلال القيود على العملة الأجنبية، بوسع السلطات أن تحفظ سعرا تفضيليا للعملة الأجنبية مع توجيه الموارد نحو الواردات مثل الطعام والوقود والدواء، التى يؤدى ارتفاع أسعارها للضغط على الفقراء.

 

الفقى: الحكومة تأخذ التبعات الاجتماعية بعين الاعتبار لكن ذلك يطيل أمد الأزمة

وقال فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن خفض الجنيه سيؤدى إلى تسارع معدلات التضخم وبالتالى سيسبب ثقل على أصحاب الدخول المنخفضة، وفئة كبيرة من أصحاب الدخول المتوسطة لذلك فالقرار يحمل بُعدا اجتماعيا.

ويرى الفقى أن التأخير يؤدى إلى انتعاش السوق الموازية، وكثرة المضاربات، وتخفيض التصنيف الائتمانى لمصر، وتعطل حصول مصر على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولى فضلًا عن استثمارات دول الخليج بالتالى زيادة الفجوة التمويلية.

“تعزيز مرونة سعر الصرف خلال الفترة الحالية، فى ظل عدم توافر سيولة دولارية تخفف من وطأة التخفيض، سيكون نتيجته ارتفاع سعر الدولار لمستويات لم تشهدها من قبل” بحسب مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث الاقتصادية بشركة عربية أون لاين.

وأضاف أنه من المحتمل أن يتخطى سعر الصرف حاجز الـ 40 جنيها فى حال تحريره، مما يعنى معدل تضخم عنيف وبالتالى فالقضية هنا ستصبح أمنا مجتمعيا.

وحذر المحللون من عواقب التأخر فى تحرير سعر الصرف، إذ يصب فى مصلحة السوق الموازية ويؤخر مراجعة الصندوق، ويُخفض ثقة المستثمرين فى السوق المحلى وبالتالى عدم ضخ أموالهم لتنمية الاقتصاد.

وأضاف شفيع أن تأخير تحرير سعر الصرف يعيق ضخ الاستثمارات الخليجية المتفق عليها فى السوق المصرى، إذ أن المستثمر ليس فى صالحه، أن يضخ استثمارات فى الوقت الحالى بسعر صرف للدولار عند 30.93 جنيه وبعد عدة أيام يحدث تخفيض للجنيه ويصل السعر إلى نحو 38 أو 40 جنيها. وبالتالى سيخسر فى استثماره.

وقال هشام الشبينى، رئيس قسم البحوث بفيصل الإسلامى لتداول الأوراق المالية، إن الموضوع الآن ليس انتظار تعويم جديد يحدث بين الحين والآخر، وإنما مرونة سعر الصرف كسياسة مستمرة، والمرونة هنا تعنى أن سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى سيتم تحديده وفقا لقوى السوق عند نقطة تقاطع محورى العرض والطلب على النقد الأجنبى فى مصر.

وبحسب تقرير صندوق النقد الدولى، تستهدف مصر خفض الفجوة التمويلية خلال فترة برنامجها معه، فخلال العام المالى 2022/2023 بلغت حجم الفجوة التمويلية نحو 6.1 مليار جنيه، وبحلول 2027/2028 تستهدف مصر خفض حجم الفجوة التمويلية إلى 5 ملايين دولار.

وقال الشبينى:”والآن يتضح أن مصر تعانى شح أو تراجع فى العرض من النقد الأجنبى بما لا يكفي لحجم الطلب على النقد الأجنبى، لذلك نرى كل فترة المزيد من التراجع فى قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى”.

ويرى الشبينى ضرورة وضع سقف للدين الخارجى، والإلتزام به ويجب التوقف عن أى رفع آخر فى سعر الفائدة فى مصر، بل وترقب الفرصة الملاءمة لخفض الفائدة، وخصوصا على الأنشطة الإنتاجية.

وأطلقت الحكومة مبادرة لدعم الفائدة لقروض القطاعات الانتاجية لتصبح 11% سنوياً على أساس متناقص، تتحمل وزارة المالية سداد فرق العبء للبنوك المشاركة على مدار 5 سنوات.

وضمت الحكومة قطاع السياحة لتلك القطاعات الإنتاجية مؤخرا، والتى تشمل حالياً قطاعى الصناعة والزراعة، وخصصت لها 10 مليارات جنيه، ليصل إجمالى التمويل الذى يتم إتاحته من خلال المبادرة إلى 160 مليار جنيه، بما يساعدها فى زيادة حجم أعمالها والتوسع فى العمل والإنتاج.

وقال الشبينى إن مصر عليها أن تسعى لحلول سياسية وحلول اقتصادية تقليدية وغير تقليدية للديون الخارجية، كما أن السعى للانضمام لمنظمة بريكس هو أحد الحلول والتعامل مع الدول بالعملات المحلية هو أيضا أحد الحلول كما أن اتباع روشتة صندوق النقد الدولى أو حتى استكمال المسار معه لا يجب أن يكون أمرا حتميا.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2023/05/06/1663427