آثار التعليق الذى أدلى به كبير الاقتصاديين فى بنك إنجلترا، هاو فيل، عاصفة نارية، إذ قال: «فى المملكة المتحدة، بطريقة ما، يحتاج شخص ما إلى قبول أنه أصبح أسوأ حالاً والتوقف عن محاولة الحفظ على قدرته الشرائية الحقيقية من خلال رفع الأسعار أو الأجور أو تمرير تكاليف الطاقة إلى العملاء».
هل هو على حق؟.. نعم، لكن فقط إلى حدٍ ما.. هل إلقاء المحاضرات مفيد؟.. لا.
لكن المفيد هو أن يُظهر بنك إنجلترا والبنوك المركزية الأخرى أنها ستفعل كل ما يلزم لإعادة وضع التضخم تحت السيطرة.
يرى فيل أن المملكة المتحدة قد عانت من تدهورٍ كبيرٍ بصورةٍ استثنائية فى «معدلات التبادل التجارى»، (أى نسبة أسعار صادراتها إلى أسعار واردتها)، حيث انخفض هذا المعدل بـ%10 من ديسمبر 2020 إلى سبتمبر 2022.
ومنذ أن ارتفعت أسعار الواردات بشكل كبير، ارتفع السعر الإجمالى، مع جعل البلاد أكثر فقراً بشكل ملحوظ، بالتالى، فإن فيل على حق فى هذا.
مع ذلك، فإنه يخلق أيضاً صراعاً على التوزيع، ستتسبب نتائجه فى تحديد القوة السياسية والاقتصادية.
صراع كهذا كان أيضاً ممكن الحدوث إذا كانت المملكة المتحدة مكتفية ذاتياً من السلع التى ارتفعت أسعارها.
وكان المنتجون المحليون للبترول والغاز والغذاء سيحققون المكاسب على حساب أى شخص اّخر، وحقيقة أن إعادة التوزيع على الأجانب جعلتها أكثر تكلفة بشكل عام.
إلا أن فقدان الدخل الحقيقى ليس الأثر الوحيد لتدهور معدلات التبادل التجارى، كما أنه يجب النظر أيضاً فى اّثار عملية التضخم نفسها، فهذا الأمر ليس سلساً على الإطلاق.
بعض المجموعات أفضل فى المضى قدمًا فى التضخم من غيرها، حيث يمكن للشركات، على سبيل المثال، تعديل الأسعار بشكل أسرع مما يمكن للعمال فرضه فى زيادة الأجور.
ومن المرجح أن يجد الموظفون العموميون والأشخاص الذين يحصلون على المزايا صعوبة خاصة فى زيادة التعديلات التصاعدية لدخلهم.
الكاتب محق فى أن هذه العملية ستكون عقيمة بشكل إجمالى، لكن لن يكون من غير المجدى على الإطلاق للفائزين إذا نجحوا فى حماية دخولهم من خلال تحويل معظم الخسائر، أو حتى كلها، إلى الآخرين.
حقيقة أن عملية التضخم تعسفية وغير عادلة هى أحد الأسباب التى تجعلها مدمرةً على الصعيدين السياسى والاجتماعى.
وبعد فترة طويلة من التضخم المنخفض والمستقر، نسى الكثيرون ذلك، لكن أولئك الذين عاشوا خلال السبعينيات يتذكرونها جيدًا، فالاضطرابات العمالية اليوم تذكر بما حدث فى ذلك الوقت، وهو ما كان أيضًا متوقعًا تمامًا.
إن تأثير بطء التكيف مع التضخم قاسٍ بشكل خاص على المستفيدين من الفوائد.
تشير مؤسسة «ريزوليوشن»، على سبيل المثال، إلى أن المستوى الحقيقى لإعانة البطالة انخفض بنسبة %12 بين مارس 2021 ومارس 2023، وهذه انخفاضات كبيرة جدًا فى الدخل الحقيقى للفقراء بالفعل.
علاوة على ذلك، مع التضخم الرئيس عند %10، انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة %3.2 فى العام المنتهى فى فبراير 2023، رغم ارتفاع أموال الأجور بنسبة %6.9.
ورغم ذلك، مازال التفاؤل ممكناً.
أحد الأسباب للتفاؤل هو أن مؤشر التضخم الرئيسى على وشك التراجع، حيث تخرج الزيادة فى الأسعار بعد الصراع الروسى لأوكرانيا من المؤشر.
وسيؤدى هذا إلى انخفاض حاد فى مؤشر التضخم الرئيسى، ما يؤدى لتحسين الأجور الحقيقية والدخل المتاح، تخفيف ضغط الأجور.
ثمة سبب آخر للتفاؤل وهو حقيقة أن توقعات السوق لمستوى التضخم تبلغ %3.5 خلال العقد القادم، وهو ما ليس ببعيد عن هدف بنك إنجلترا، بمجرد أن نضع علاوة مخاطر التضخم فى الاعتبار (بالإضافة إلى حقيقة أن الذهب المرتبط بالمؤشر يستخدم مؤشر أسعار التجزئة، بدلاً من سعر المستهلك، كمقياس للتضخم).
مع ذلك، فأنا غير مقتنع.
كانت الأجور الحقيقية فى فبراير أقل بنسبة %5 تقريبًا من مستواها فى مارس 2022، وبعد هذه الخسائر الكبيرة فى الأجور الحقيقية والدخل المتاح، لماذا يتوقع المرء نموًا فى الأجور الاسمية، والذى سجل %6.9 فى العام الماضى المنتهى فى فبراير، ليتباطأ بشكل حاد، خاصة عندما كان التضخم الأساسى %6.2 فى العام المنتهى فى مارس 2023، وكانت البطالة منخفضة بنسبة %3.7 فى الربع الأخير من عام 2022، بالتالى ما الذى من المحتمل أن يؤدى إلى انخفاض حاد حقًا فى نمو الأجور؟.
تفترض النماذج الاقتصادية القياسية أيضًا أن هدف التضخم يتم تصحيحه ذاتياً، فإذا اعتقد الناس عمومًا أنه سيحدث، فسيحدث.
ومع ذلك، ستتكيف التوقعات دائمًا مع التجربة.
إذا استمر نمو الأجور، كما أتوقع، فى وقت لا يقل كثيرًا عن وتيرة اليوم، وظل نمو الإنتاجية منخفضًا، وبالتالى استمرت تكاليف العمالة لكل وحدة فى الارتفاع بسرعة كبيرة، فمن المرجح أن يستقر المعدل الأساسى للتضخم أعلى بكثير من الهدف.
علاوة على ذلك، فإن السياسة النقدية ليست صارمة بالمعايير العادية، فمعدل تدخل بنك إنجلترا البالغ %4.25 أقل بكثير من التضخم الأساسى، بغض النظر عن المعدل الرئيسى الذى يزيد عن %10.
نعم، لا يستطيع بنك إنجلترا إصلاح توزيع الدخل، وهذا هو ما يجب على الحكومة القيام به.
ما يمكنها وما يجب عليها فعله هو منع التضخم من البقاء مرتفعًا جدًا لفترة طويلة، وستكون تكاليف التعامل مع التضخم المرتفع الراسخ باهظة.
لا شك أن مهمة بنك إنجلترا هى منع ذلك.
بقلم: مارتن وولف، كاتب مقالات لدى صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»