ماذا لو توصلت شركة “أبل” إلى أهم منتج جديد لها منذ أعوام ولم يكترث العالم؟
يبدو الكشف المتوقع عن سماعات “أبل” للواقع المختلط ـ خلال ساعات من الآن ـ وهو منتج يجمع بين الواقع الافتراضي والمعزز والذي يدمج العالم الرقمي في العالم الحقيقي- غير قادر على مواكبة الوقت الراهن بشكل كبير.
اجتاح الذكاء الاصطناعي التوليدي صناعة التكنولوجيا العام الحالي، وهذا يمكن أن يمثل أهم طريقة جديدة للتفاعل مع أجهزة الكمبيوتر منذ وقت طويل، فهو له تأثير مماثل لظهور شاشة اللمس الخاصة بهواتف “آيفون” قبل 16 عامًا.
لم يتضح بعد كيف سيؤثر هذا النوع الجديد من الذكاء الاصطناعي في مجال الهواتف الذكية الذي تهيمن عليه “أبل”.
لا تتناسب تفاعلات “شات جي بي تي” المليئة بالنصوص مع الشاشات الصغيرة.
كما أن تطبيقات التكنولوجيا القائمة على الصوت والصورة الخاصة بالهواتف لا تزال قيد التطوير، لكن هذا التركيز التجريبي أصبح حاليًا الأهم في صناعة التكنولوجيا، بدلاً من عالم الواقع الافتراضي الغامر.
حتى دون هذا الاهتمام الهائل بركن مختلف من عالم التكنولوجيا، فإن السماعات التي تعمل “أبل” على إتقانها لأعوام ستظل تبدو وكأنها غير مهمة بطريقة غريبة بالنسبة لمعظم المستهلكين، فسعرها المرتفع، والذي يبلغ نحو 3000 دولار، سيحد من المبيعات ويُخفض عدد المتحمسين لاقتنائها، إضافة إلى المطورين الذين يرغبون في إنشاء برامج لها.
لم يكن العالم يطالب بجهاز واقع افتراضي أرخص، خاصة أن نظارات “كويست” من “ميتا” ستُباع قريبًا مقابل 299 دولار تقريبًا، كما أن معظم الأشخاص الذين جربوا الواقع الافتراضي يشعرون بالدهشة من حداثته، لكنهم لا يشعرون برغبة كبيرة في ارتداء سماعات رأس عند العمل أو ممارسة الألعاب أو الترفيه.
مع ذلك، فإن مشروع “أبل” في الواقع الافتراضي والواقع المعزز يحتاج إلى الحكم عليه عبر مجموعة أوسع من الأهداف، ومن الأفضل النظر إليه باعتباره تحوط ضد الاضطراب التكنولوجي المستقبلي، وهو امتداد متواضع نسبيًا، لكنه لا يزال مفيدًا لعالم “أبل” الحالي المكون من خدمات وأجهزة ويملك مكانًا في ثورة تكنولوجية ربما تستغرق أعوامًا عديدة قبل أن تنتهي.
هذا التحوط يأتي ضد التهديدات التي تواجهها إمبراطورية “آيفون” من “أبل”، خاصة أنه لم يتضح بعد ما إذا كان الهاتف الذكي سيفقد مكانته المركزية في الحياة الرقمية للمواطنين أو متى سيفقدها، لكن من الواضح أن “أبل” بحاجة لوضع رهانات أكثر على المستقبل.
كانت الشركة المعروفة سابقا باسم “فيسبوك” هي أول من حاول القفز إلى ما يفوق الهواتف الذكية، من خلال استحواذها على شركة “أوكولوس للواقع الافتراضي” قبل تسعة أعوام، لكنها فشلت فشلاً ذريعًا بعد بيعها 8.5 مليون سماعة فقط العام الماضي، وفقًا لتقديرات شركة “إنترأكتيف داتا كوربوريشن”، وهذا يترك مجالاً مفتوحًا على مصراعيه أمام “أبل”.
حتى لو كانت المبيعات ضئيلة فترة طويلة، ستكون سماعات الرأس إضافة مربحة إلى حد ما لمجموعة “أبل” وستشكل طريقة أخرى لربط المستخدمين بشكل أكثر إحكامًا لعالمها الرقمي الآخذ في الاتساع.
من خلال مجموعة من الخدمات الرقمية الخاصة بها، مثل الموسيقى ومحتوى الفيديو واشتراكات الألعاب، ستكون “أبل” في وضع جيد لتطوير تجارب الواقع الافتراضي اللازمة لتحفيز الطلب على سماعاتها.
يمثل مطورو البرامج البالغ عددهم 34 مليون مبرمج مسجلين للعمل على أجهزة “أبل”، أحد الأصول الأكثر قوة.
وليس من الواضح ما ستكون “التطبيقات القاتلة”- وهي تطبيقات مبتكرة تزيد من قيمة البرنامج أو الجهاز المصاحبة له- لواقع الافتراضي، لكن الجهود المشتركة لهؤلاء الأشخاص تجعل من المحتمل أن تأتي إلى سماعات الرأس التابعة لـ”أبل” أولا.
هذا جعل معظم محللي وول ستريت متفائلين بشأن الامتداد المتوقع لنطاق أجهزة “أبل”، فعلى سبيل المثال يتوقع بنك “جولدمان ساكس” أن تصل مبيعات سماعات الرأس إلى 18 مليار دولار بعد 5 أعوام من الآن.
وهذا من شأنه أن يعطي دفعة مفيدة لقسم “أبل” الذي يبيع الأجهزة القابلة للارتداء والأجهزة المنزلية والملحقات، الذي حقق مبيعات بلغت 41 مليار دولار العام الماضي.
تتمثل الورقة الرابحة في الخدمات مرتفعة الهامش التي تُباع بجانب سماعات الرأٍس، فإذا كان المستهلكون على استعداد للدفع مقابل التجارب الغامرة التي تأتي مع الواقع الافتراضي، فقد تطغى مبيعات البرامج في النهاية على المبلغ الذي
ينفق كل عام على الأجهزة، كما هي الحال في سوق ألعاب وحدة التحكم.
أخيرًا، بما أنها تتمتع بمكانة في فئة جديدة مهمة من التكنولوجيا، ستكون سماعات الواقع الافتراضي التابعة لـ”أبل” بمنزلة بيان للنوايا، وليست غاية في حد ذاتها.
فرغم أن التكنولوجيا وراء الجهاز مثيرة للإعجاب، إلا أنها ستظل تعاني المشكلة الشائعة في جميع سماعات الواقع الافتراضي والمعزز، فمعظم الناس لا يريدون ارتداء سماعة رأس ضخمة أو عزل أنفسهم عن العالم لدخول عالم رقمي مختلف.
إلى أن يتم العمل على التجارب نفسها على نظارات خفيفة الوزن- أو حتى يومًا ما، العدسات اللاصقة التي تجعل التكنولوجيا غير مرئية تمامًا- فإن الواقع الافتراضي والمعزز لن يتسلل على الأرجح إلى الحياة اليومية بالطريقة التي تسللت بها الهواتف الذكية، لكن إذا أطلقت “أبل” أخيرًا سماعاتها الأسبوع المقبل، فستكون قد اتخذت الخطوة الأولى المهمة للغاية.
بقلم: ريتشارد ووترز
الكاتب لدى “فاينانشيال تايمز”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية