ذات مرة كان العالم مستويًا، كما قال توماس فريدمان، ولم يكن الرؤساء التنفيذيون بحاجة إلى التحقق من هواتفهم على العشاء.
الآن.. أزمة تجر أخرى: كل الرهانات تتوقف عندما يتعلق الأمر بسلاسل التوريد وطرق التجارة، ويتذرع مراقبو الحسابات بـ”عدم اليقين المادي”بشأن الحسابات، وترصد المجالس التنفيذية مواعيد الانتخابات في البلدان الغنية.
الحرب في أوكرانيا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واحتجاجات الوقود الفرنسية، ورئاسة ترامب متبوعة بقانون بايدن لخفض التضخم: كلها كانت نتاجًا لسياسة، والناخبون والقادة يتصرفون بطرق لا تتناسب مع اتجاه العولمة.
كان المسؤولون التنفيذيون الذين تجاوزوا الأزمة المالية لعام 2008 ووباء كورونا، يشعرون بالفعل بالرهبة من تحديات تحول الطاقة، والتنوع، والذكاء الاصطناعى، والآن بات عليهم الاهتمام بالسياسة أيضًا.
لم تعد الحكومات وحدها هي التي تحتاج إلى وجود سياسة خارجية، بل أيضًا كل شركة كبيرة.
إذا كنت ستغير سلسلة التوريد الخاصة بك بعيدًا عن الصين، فأين ستذهب؟ الهند أم فيتنام أم المغرب؟ ما هي المخاطر التي يمكن التأمين عليها؟ ما هي الأنشطة التي يمكن أن تنجو من الاضطرابات السياسية؟ هذه لعبة حرب من النوع الذي اعتاد الجنرالات القيام به.
وكان عدد الشركات المدرجة فى مؤشر “فوتشى” الذين حذروا من تراجع أرباحهم فى الربع الثالث من العام الماضى بسبب عدم اليقين الاقتصادى والسياسى الأكبر مقارنة بأي فترة مماثلة منذ الأزمة المالية العالمية.
وصدمنى أنه عندما تحدثت إلى المديرين التنفيذيين في مؤتمرات الشركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بدا لي أنه لا يوجد قائد واحد يمكنه مواجهة جميع التحديات.
لذلك تحتاج الشركات الكبرى إلى شيء مثل كبير المسؤولين السياسيين.
لا اقصد هنا السياسيين الذين لديهم علاقات سياسية يركنوا إليها، ولكن تنتهي صلاحيتها عندما يفقد حزبهم منصبه، بدلاً من ذلك، سيكونوا تكنوقراط يفهمون أن الحكومة هي مثلث دائم بين البرلمان والحزب والصحافة.
في السنوات الأخيرة، لم يكن على المصنعين والحكومات في الغرب القلق كثيرًا بشأن بعضهم البعض، بصرف النظر عن الأزمة المالية، فقد عملوا إلى حد كبير في صوامع – مع القليل من التفاهم المتبادل.
لكن الحكومات أصبحت أكثر تدخلاً، فالأمر لا يقتصر على تشريعات الطاقة والرقائق التى أقرها بايدن وتجبر الدول الأخرى على اتخاذ ردود أفعال، لكن التقدم التكنولوجى سيجعل التنظيم سمة مميزة لهذا العقد، وعندنا عندما يدعو مبتكر “شات جى بى تى” إلى فرض حواجز للحماية من للذكاء الاصطناعي ، فهذا يمثل نقطة تحول.
وفي الوقت نفسه، يؤثر تغير المناخ على طريقة تفكير الدول فى الزراعة والبناء والسفر، لا يزال الاختبار الجيني غير منظم إلى حد كبير؛ فتقنيات تحرير الجينات الجديدة لديها القدرة على تغيير الأجيال القادمة بشكل دائم.
وتتم مناقشة هذه القضايا من قبل علماء بارزين، لكن السياسيين بحاجة إلى الدخول في المعركة للتصارع مع الخبراء والمبتكرين التجاريين أيضًا.
في مراحل مختلفة من مسيرتي المهنية، جلست على جوانب مختلفة من الطاولة في اجتماعات بين الرؤساء التنفيذيين ووزراء الحكومة.
لقد شاهدت الرؤساء التنفيذيين يفشلون في التواصل بوضوح، ولا يفهمون ما هو موجود وما هو غير موجود في جعبة الحكومة، ورأيت الوزراء يفشلون في إدراك أنه لن يقول أي شخص أي شيء مفيد إذا كان منافسهم موجودًا في الغرفة.
وستتأثر الشركات أيضًا بالمفاضلات التي تجريها الحكومات بين الاقتصاد والأمن القومي، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى تغيير المؤسسات التي سيسمح لها بالفشل،فالبنوك، وشركات التأمين، وشركات الطاقة، والسكك الحديدية، والجامعات، بالفعل تتمتع بحكم ذاتى نظريًا فى عدد من البلدان، وقد ينتهي الأمر بحمايتها من الناحية العملية.
ولعل تحرك الفيدرالى الأمريكى لإنقاذ المودعين غير المؤمن عليهم في بنك “سيليكون فالى” علامة على ما سيحدث فى المستقبل، لذلك سيحتاج كبير المسؤولين السياسيين إلى التسامح مع الغموض، ومستوى عدم اليقين مرهق، وربما يكون استحداث المنصب سبب في انخفاض متوسط عمر الرؤساء التنفيذيين الجدد لأول مرة.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية
كاتب المقال: كاميلا كافنديش، كاتبة مقالات رأي لدى “فاينانشيال تايمز”