ماذا يعنى انهيار العملة بالنسبة لقدرة “بوتين” على شن الحرب؟
فى 14 من أغسطس، تراجع الروبل الروسى إلى أكثر من 100 روبل مقابل الدولار الأمريكى، ما يعنى أنه كان يعادل ما يقل عن سنت واحد، وهذه أقل قيمة سجلتها العملة منذ الفترة التى أعقبت غزو أوكرانيا مباشرة.
وتعتبر العملة الروسية واحدة من أسوأ العملات أداءً فى العالم خلال العام الجارى، ولم يتفوق عليها سوى أقران يواجهون اضطرابات دائماً مثل البيزو الأرجنتينى، والبوليفار الفنزويلى، والليرة التركية.
وفى اليوم التالى، تدخل صُناع السياسة النقدية الروس وتسابقوا للرد على الأحداث للمرة الأولى منذ المراحل الأولى من الحرب، فقد عقد بنك روسيا اجتماعاً طارئاً رفع خلاله أسعار الفائدة بمقدار 3.5 نقطة مئوية، لتصل إلى 12%.
وبالرغم من أن الروبل تعافى قليلاً عند الإعلان عن هذا الإجراء، فإنه تراجع مرة أخرى، ولا يزال أقل بكثير من مستواه البالغ 60 روبل مقابل الدولار فى هذا الوقت من العام الماضى.
ولن تؤدى زيادة أسعار الفائدة وحدها على الأرجح إلى وقف التدهور السريع للعملة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على قدرة الرئيس فلاديمير بوتين على شن حرب، حسب ما نقلته مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.
وغالباً ما يكون انهيار العملة ناتجاً عن قلق المستثمرين العالميين أو فرار رأس المال المحلى.
ومع ذلك، فإن التداول فى الروبل، وخاصة مقابل الدولار، لا يزال ضعيفاً؛ حيث إنَّ العقوبات وضوابط رأس المال تركت روسيا معزولة عن النظام المالى الدولى.
لذلك، بدلاً من عكس الآراء المجمعة لآلاف المضاربين، يعكس سلوك الروبل النموذج الاقتصادى القياسى؛ حيث يعمل كمقياس للتدفق النسبى للصادرات خارج الدولة التى تجمع من خلالها العملات الأجنبية مقابل الواردات، التى يجب دفع ثمنها من خلال هذه الأرباح.
ومنذ أن فرضت مجموعة السبع حداً أقصى قدره 60 دولاراً لسعر البترول الروسى فى ديسمبر، تراجعت قيمة الصادرات. وانخفضت أرباح روسيا المقومة بالدولار الأمريكى بنسبة 15% بين شهرى يناير ويوليو، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، وهى حقيقة تفسر جزئياً فقط من خلال انخفاض أسعار البترول العالمية، كما ارتفعت الواردات مع استمرار الحكومة فى حربها وشراء السلع للقيام بذلك.
وفى الأشهر السبعة الأولى من عام 2023، انخفض فائض الحساب الجارى لروسيا، وهو مقياس لمقدار العملة الأجنبية التى تتلقاها الدولة مقارنة بالإنفاق، بنسبة 86% ليصل إلى 25 مليار دولار.
من ناحية أخرى، يشير هذا إلى تأثير سقف سعر البترول، فمحاولات التهرب من هذه السياسة لا تعوض عن إجبارهم على بيع بعض البترول بسعر مخفض.
ومع ذلك، من ناحية أخرى، فإنه يشير إلى أن روسيا تبحث عن طرق لمواصلة استيراد البضائع، فقد ارتفعت الصادرات الألمانية إلى جيران روسيا الأكثر صداقة، على سبيل المثال، بشكل مريب.
هذه العملة الرخيصة ترفع عائدات البترول للحكومة المقومة بالروبل، وترفع أيضاً تكلفة الواردات.
وفى يونيو، قال أندريه بيلوسوف، نائب رئيس الوزراء الروسى، إنَّ قيمة الدولار فى ذلك الوقت كانت أفضل بما يتراوح بين 80 و90 روبل لميزانية الدولة والمصدرين والمستوردين.
وعندما كان الروبل أقوى بكثير فى العام الماضى بفضل عائدات البترول، كانت الحكومة الروسية سعيدة بالترويج له باعتباره دليلاً على فشل العقوبات الغربية، لكن هذه الثقة تم استبدالها الآن بالقلق.
وفى 14 من أغسطس، كتب مكسيم أوريشكين، مستشار الرئيس بوتين، مقالاً يشدد على أهمية الروبل القوى، ويلقى باللوم فى انخفاض العملة على البنك المركزى.
وساعد ارتفاع معدل الطوارئ فقط الروبل قليلاً، مع انعكاس المكاسب بسرعة.
ولا شك أن عزلة روسيا تعنى أن أسعار الفائدة المرتفعة من غير المرجح أن تغرى «الأموال الساخنة».
وربما يتحول التركيز الآن إلى رأس المال المحلى المعرض لخطر الفرار، ويمكن أن يؤدى تعزيز ضوابط رأس المال المقدم فى عام 2022 وضعفه قليلاً خلال العام الجارى إلى وقف تدفقات رأس المال، لكن الأمر قد يستغرق وقتاً حتى يكون له تأثير.
ويعتبر التدخل المباشر فى أسواق العملات خياراً آخر، فقد قلص البنك المركزى الروسى بالفعل مشترياته من العملات الأجنبية.
وبموجب قاعدة الميزانية، اعتادت روسيا على شراء عملات أخرى مقابل الروبل إذا كان لديها فائض من عائدات البترول والغاز من أجل تكوين الاحتياطيات الأجنبية، ثم تخلت البلاد عن هذه القاعدة فى 9 أغسطس.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن البلاد كان لديها احتياطيات من العملات الأجنبية بقيمة 587 مليار دولار فى بداية أغسطس، ما يشير إلى أن البنك المركزى لديه القوة اللازمة لدعم قيمة الروبل إذا رغب فى ذلك، لكن المشكلة تكمن فى أن حوالى 300 مليار دولار من هذه الاحتياطيات جمدها الغرب.
هذا يترك للحكومة خياراً، إذ يمكنها تقليص الإنفاق، بما فيها الإنفاق على قواتها المسلحة، لتقليل الواردات.
بدلاً من ذلك، وفى جميع الاحتمالات، سيتعرض الاقتصاد المدنى للألم، كما سيؤدى ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة إلى إضعاف القوة الشرائية للروس العاديين، ما يجبرهم على شراء عدد أقل من السلع الأجنبية.
وبالتالى، فإنَّ مصير الاقتصاد الروسى لن يتحدد بأحكام الممولين الدوليين بل بعمق عدوان بوتين.
