اقتصادنا يا تعبنا… الحلقة 39..
لا شك أن قيام الدولة بعمل مشروعات عملاقة تأخذ أعوامًا لتنفيذها فى أوقات قياسية لهو أمر محمود، ويعد شرياناً يحرك روافد الاقتصاد.. فمشروعات البنية الأساسية من طرق وكبارى وأنفاق ومرافق أخرى من محطات كهرباء ومياه هى من الضرورات للتنمية المستدامة ستظهر عوائدها على الأمد الطويل.. وتعد المشروعات من المشروعات التى يطلق عليها Thematic Projects مثل مشروع تنمية محور قناة السويس.. فمشروعات البنية الأساسية والتعمير فيه ستجر وراءها عدداً من الشركات فى مختلف المجالات.. فتشغيل عدد كبير من الشركات فى وقت تعانى فيه البلاد من ركود تضخمى أمر حميد..
ونظرا لأهمية مشروع تنمية محور قناة السويس فقد خصصت الحكومة فصلاً كاملاً بخطة التنمية المستدامة للعام المالى 2016/2017 المرسلة لمجلس النواب، للمشروعات القومية الكبرى المستهدفة، حيث يتضمن خطة عمل 10 مشروعات بدءاً من مشروع تنمية محور قناة السويس، باعتباره إحدى الركائز الأساسية للتنمية المستدامة لمصر حتى عام 2030، حيث حددت الخطة جميع المستهدفات التى سيتم تنفيذها خلال العام المالى 2016/2017… سواء من حيث البدء فى إنشاء رصيف جديد بميناء العين السخنة بتكلفة تصل إلى 350 مليون جنيه، والبدء فى توصيل المرافق لمجمع صناعى كبير سيتم تأسيسه فى مدينة القنطرة غرب بتكلفة حوالى 300 مليون جنيه، والبدء فى إنشاء 9 أرصفة فى ميناء بورسعيد، والبدء فى إنشاء 6 أنفاق بتكلفة تقارب 30 مليار جنيه، ومحطة كهرباء بطاقة 457 ميجاوات ومحطة مياه بطاقة 150 متر3/ اليوم بتكلفة 500 مليون دولار، على أن يتم التنفيذ خلال العامين الماليين (2016/2017) و(2016/2017)، والبدء فى أعمال توصيل المرافق ورصف الطرق بتكلفة 300 مليون جنيه فى وادى التكنولوجيا (شرق الإسماعلية)… الخ..
ولا شك أنه من الأفضل تحديد الأولويات لعدد من المشروعات الكبرى التى يمكن تنفيذها، وتوجيه المنح والمعونات والقروض إليها.. فعدد المشروعات العملاقة أصبح فى دولة تعانى مواردها من تراجع مستمر يستدعى ترتيب الأولويات وترشيد الإنفاق بدلاً من القتال فى كذا جبهة مما ينهك قوى الدولة مادياً وطاقة ووقتاً يحتم عليها توجيه جهد كبير منها لرفع مستوى معيشة المواطن وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية.
يقول البعض إن المشروعات الكبرى لا تمول من الموازنة العامة للدولة.. هذا جيد ولكن لماذا نستطيع إيجاد موارد لمشروعات عملاقة تنموية ولا نستطيع تدبير موارد لإصلاح التعليم والصحة بدلاً من أن نلقى اللوم على المشكلة السكانية.. الصين تعداد سكانها أكبر من مصر وحققت تنمية اقتصادية متميزة، الهند كذلك..
إذا كان النمو السكانى بمعدلات 2.5% كبيراً، فأنا أرى انه اذا انصلح حال التعليم والصحة فى مصر مع ارتفاع الوعى الثقافى والمستوى الاجتماعى للناس، فإن ذلك سينعكس على مستوى تفكيرهم بالنضج.. وسيتبع المواطن السبل اللازمة للانفاق على تنظيم النسل لأنه سيكون لديه من المقدرة الفكرية والمادية ما يساعده على ذلك.. ولكن إذا ازدادت معدلات الفقر وانخفض المستوى الاجتماعى فسوف تزداد مع مشكلة الزيادة السكانية والتسرب من التعليم للمساعدة فى الإنفاق على الأسرة وستصبح زيادة الإنجاب من اجل تسريح الأطفال فى الشارع للمساعدة فى الصرف على البيوت لارتفاع أعباء الحياة وزيادة تكلفة المعيشة بعد الزيادات الرهيبة فى الأسعار.. لأن التفكير سيتركز على توفير الأكل «المم».. وهذا مؤشر خطير لأنه سيزيد من عدم الاستقرار الاجتماعى، وسينتشر معدل الجريمة (سرقة وقتل واغتصاب..الخ) نتيجة الجهل وضيق الحياة.. وستنتشر الأمراض لأنه لن يكون هناك مجال لدى المواطن للإنفاق على الصحة والتعليم.. فارتفاع مستواه المعيشى سيجعله يوجه جزءاً من دخله لهذه الأمور، أما انخفاض مستواه المعيشى وزيادة أعباء الحياة ستأتى بالعكس وبمزيد من المشاكل الاجتماعية..
سيرد عليَّ البعض أن التعليم والصحة يحتاجان وقتاً وميزانيات… أقول لكم أنتم اختصرتم فى وقت المشروعات العملاقة –لا ننكر أنها ممتازة – ودبرتم الميزانيات لها خارج موازنة الدولة.. أفلا تدبرون الموازنات وتختصرون الوقت لنهضة تعليمية وصحية.. ألا نشرك القطاع الخاص بزيادة حجم المسئولية الاجتماعية.. ومزيد من التنمية المجتمعية.. ألا نعيد النظر فى دور مؤسسات المجتمع المدنى وإعادة توجيه المنح الموجهة لها للتنمية المجتمعية الصحيحة تحت مظلة الدولة كمراقب ومنظم؟؟.. لا بد من إعادة صياغة مشروع قومى للتعليم – وإن كنت أثمن على جهود وفكر وزير التربية والتعليم الحالى، ولكن يد لوحدها لا تصفق وتحتاج جهوداً أخرى- وكذلك الصحة يشارك فيها كافة أطياف المجتمع وتوجيه الوقت والدعم اللازمين لهذا الاتجاه، وتدير التمويل اللازم لها من داخل ومن خارج الموازنة أسوة بالمشروعات العملاقة المهمة ولا نتحجج بقلة مخصصات الموازنة.. فهل تحججنا بقلة مخصصات الموازنة لمشروعات الطاقة وكافة المشروعات العملاقة.. طبعاً لا..
وما نبغى الا إصلاحاً